عودة النوارس المهاجرة
إلى أطراف صحراء مقفرة ، في آخر الدنيا ، في بدايات أيلول ، حطت بي عصا النوى ، في عودة كعودة النوارس المهاجرة…
والتجاء الأيائل مواطنها ، الشمس ترسل شواظا لاهبة ، والرمال تتلوى عطشا ،كأفعى تتقلقل من ظلم اللظى ، حين يأكل بعضا من جلدها ، تتشقق بعض الأتربة المرسلة مع ريح الشمال ، فجأة تنفتح سدة السماء، فيطل ملاك ، ينفث على المخاليق نسمة من روح الله ، فتتراكم غيوم ، تقترب رويدا رويدا ، تشتعل في عناق شديد ،فتبرق الدنيا وترعد ،وتفيض الأمواه في ثنايا أرض عطشى ، تتعانق الغيمات فيستعر المشهدمن جديد ، ويزداد الهطول ، فتسمع للشقوق همس و ارتشاف عذب لذيذ يشتد مع الهطول إلى أن يفيض المدى ، وتجري سيول وتمتلئ عيون صغيرة متناثرة هنا وهناك ،فتبتهل الملائكة ويزداد التهليل ، تبرعم من بين الشقوق زنابق ، .ومساحات شاسعة من خزامى ، وسوسنات سود وحمر ، تهب نسائم عذبة باردة عابقة برائحة الأرض السكرى ، تتمايل الزنابق والسوسنات طربا ، وتضج الأرض عزفا، وتضيق المسافات في الأفق وكأن السماء أطبقت على الأرض…….
في كل مرة تفيض الأرض ، تحبل ثم تضع حملها ، تظل كل رملة محتضنة في صحراء مقفرة ، تحت شمس الهاجرة ،تواقة للحظة ارتواء ، فهي في حالة دائبة لإكسير الحياة ، ولحبة مطر مانحة صادقة تمنحها دبق التراب ، وبهجة الحياة ،ولو كان تاليها نزع روح أو شهقة موت ، ففي شهقتها بعث للحياة فيها من جديد.
جنوب بنت طريف …بيروت