عهد التميمي / د. أيوب أبودية

عهد التميمي
أصبحت عهد التميمي أيقونة الانتفاضة الفلسطينية، انتفاضة وسائل الاتصال الاجتماعي، وهي أحدث انتفاضة إلكترونية في العالم التي تمثلت بشخوصها من الأطفال كما تجسدت في عهد التميمي وفوزي الجنيدي وغيرهما.

لم تظهر هذه الشخصيات إلى السطح من دون أرضية موضوعية فعهد التميمي ولدت لأب أسمه باسم التميمي وهو مثقف ومتعلم حاصل على ماجستير في الاقتصاد ومن متقاعدي منظمة التحرير الفلسطينية واعتقل في السابق عدة مرات. إذا نشأت ايقونة الانتفاضة عهد التميمي في بيت مناضل، بل في قرية مناضلة هي النبي صالح التي انطلقت منها وثيقة اعلان انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وعهد التميمي أيضاً هي ابنة عم الشهيد مصطفى الذي قضى بتظاهرات في المدينة نفسها التي لم تهدا منذ عشر سنوات ونيف، فانتفاضة قرية النبي صالح ليست جديدة اذ انطلقت منذ زمن وبخاصة بعد تأسيس مستوطنة حلاميش التي استولت على الكثير من أراضي البلدة وهيمنت على عين الماء فيها أيضاً واعتبرته موقعاً أثرياً منعت الناس من الوصول إليها. إذاَ هذا النضال ليس وليد اليوم وليس عبثياً بل له جذور موضوعية سواء عبر الأسرة أو عبر القرية أو عبر المأساة الفلسطينية بمجملها.

ومن الملاحظ أن هناك وجهات نظر عديدة حول هذا الموضوع فأحد أصدقائي من الأجانب اخبرني بقناعته مؤخراً أنه لا يجوز إشراك الأطفال بهكذا تظاهرات، بينما الكثيرون من ابناء الشعب الفلسطيني يرى أن مشاركة الشبان أصبحت انتحار حيث أنهم يتم إطلاق النار عليهم مباشرة. فيبدو أنه لم يعد هناك من سبيل إلا بإشراك الأطفال لتمتعهم بنوع من الحماية أو الحصانة بحكم أعمارهم المتدنية. ولكن للأسف يبدو أنه لا يكترث احد من الإسرائيليين لهم ولا العالم المتحضر يهب لنجدة هؤلاء الأطفال الذين يعاني الألوف منهم العنف والإرهاب من قبل “جيش الدفاع الإسرائيلي” المزعوم فيما يعاني المئات منهم الاعتقال والتوقيف والتعذيب النفسي والجسدي. وللأسف نحن دخلنا في عام 2018 وما زال العالم يغض الطرف عن هذه الإجراءات بحق الأطفال في فلسطين.

وبالمقابل هناك وجهات نظر أخرى نجمت عن أحد الحوارات التي جرت على إحدى قنوات التلفزيون الإسرائيلي يقول فيه احد المتحاورين أن هذه الصبية قد أصبحت جندارك فلسطين فيما يتعلق بالكفاح الفلسطيني لنيل الحرية كما فعلت جندارك فيما مضى لنيل حرية الفرنسيين. وقابله في رأي مغاير إسرائيلي أخر افترض أن تصرف الجندي الذي صفعته عهد على خده كان في غاية الأخلاقية والإنسانية بحيث أنه لم يرد لها الصفعة. وبالمقابل نجد أيضاً فريقاً إسرائيلياً كان موجوداً في الحوار يقول أن من حق هذه العائلة أن تمنع الجنود من دخول بيتها واقتحام سور أرضها بوسائل عنف محدودة ولكن من دون استخدام السلاح لأن الجنود لا يملكون أي وثيقة تسمح لهم بدخول المنزل وانتهاك حرمته.

وفي خضم وجهات النظر المتصارعة والمتباعدة هذه نجد أن هذا العالم قد شلح ثوب الحياء وسمح لنفسه أن يعود مرة أخرى إلى شريعة الغاب باستخدام ما يراه مناسباً لتحقيق مصالحه الوطنية والقومية بغض النظر عن المشاعر الإنسانية والقانون الدولي. ففي هذا العام الجديد 2018 لا نتطلع سوى إلى أن يتم اعتراف العالم بحقوق الإنسان أينما كان وبحقوقه الأساسية التي شرعتها الأمم المتحدة عام 1948 عندما اعتبرت أن حقوق الإنسان الاساسية تشتمل على حق حرية التنقل وحق العيش بكرامة وكل هذه الحقوق التي جاءت في المادة 2 وغيرها كما يلي:

“لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته”

فلا نجد أيا منها متحققا في فلسطين، فما فائدة هيئة الأمم المتحدة وماذا قدمت لفلسطين؟

تقول الكاتبة الإسرائيلية ليزا غولدمان انها بعد انقضاء أربع سنوات من إرسال التقارير الإعلامية في الضفة الغربية وغزة ذهبت إلى قرية النبي صالح وما شاهدته هناك من ظلم واضطهاد تجاه الفلسطينيين أنهى ما تبقى لديها من نزعات صهيونية. فنحن ينبغي ان نعول اليوم عليها وعلى الإسرائيليين الشرفاء الذين لم يفقدوا إنسانيتهم بعد في أن يقفوا وقفة واحدة مع أحرار العالم للدفاع عن أطفال فلسطين وحقوقهم وإنسانيتهم. ألم يحن الوقت للاعتراف بأن عهد التميمي هي شخصية السلام لعام 2017 التي يمكن أن تكون مفتاح حل الدولتين؟

وأخيراً أتمنى أن يدرك الرئيس الأمريكي ترامب أن قراره حول القدس قد أدى إلى أكثر نحو 5000 اصابة بين شهيد وجريح لغاية نهاية العام 2017 وإذا ما عقدنا مقارنة بين عدد سكان فلسطين في الضفة الغربية وغزة وسكان الولايات المتحدة الأمريكية فهذا يماثل اصابة نصف مليون اميركي اذا وقعت كارثة على أراضي الولايات المتحدة. فتخيلوا لو أن كارثة بهذا الحجم تقع على الولايات المتحدة الأمريكية، ألن يدرك ترامب عندها حجم الكارثة التي وقعت على الشعب الفلسطيني بقراره هذا؟ ألن يدرك أيضاً أن هناك ما لا يقل عن 500 طفل معتقل في السجون الإسرائيلية وإذا قارنا ذلك بأعداد السكان فنحن نتحدث عن 50 ألف معتقل من الأطفال في الولايات المتحدة .فتخيلوا لو أن ترامب قرر اعتقال هذا العدد من الأطفال في بلاده فماذا نتوقع ان يحدث من ردة فعل في العالم على قراره هذا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى