عن النفاق / راتب عبابنه

عن النفاق

بتعريف بسيط النفاق هو الظهور بمظهر الخير والتأييد لتشكيل رأي أو موقف من قبل المتلقي لا يصب بصالح المتلقي ولا بصالح الطرف الآخر. وفي الحقيقة، المنافق يظهر ما لا يخفي أي يتعامل مع المتلقين بوجهين مختلفين تماما من أجل الوصول لهدف يخدم مقاصده ويلحق الأذى بالآخرين.
والنفاق من أدوات خلق الفتن وإيقاضها إن كانت نائمة. وأكثر المنافقين شهرة بالتاريخ العربي، عبد الله بن أُبي بن سلول، صاحب حادثة الإفك بحق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق صاحب رسول الله، إذ قذف بها ابن سلول بالزنا حتى نزل الله براءتها بسورة النور. لكن الفتنة اشتعلت بين عائشة وبين علي رضي الله عنهما واشتعلت حرب بينهما، إذ يُذكر أن علي أشار على الرسول صل الله عليه وسلم بطلاق عائشة والزواج من غيرها. وقد تركت هذه الفتنة وما تمخض عنها وصمة ظلامية بالتاريخ الإسلامي.
والمنافق إذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وافترى وإذا حدّث كذب وإذا أؤتمن خان. أعوذ بالله من هكذا صفات قبيحة وقميئة إذا توفرت بإنسان كان بالدرك الأسفل من نار جهنم لشدة ما قد تسببه من أذى وفتن بين الناس.
وقد أفرد سبحانه بكتابه العزيز سورة باسم “المنافقون” للتدليل على شدة الأذى والفرقة والشرذمة التي يسببها النفاق، إذ يقول سبحانه وتعالى بإحدى الآيات: (وإذا قيل لهم تعالوا ليستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون).
فترى المنافق يطعن بالنوايا والأهداف لتقزيمها وتصغيرها والتقليل من أهميتها لنيل موقع لدى الطرف الآخر أو خلق فتنة يقتات منها. والمنافق أسوأ من الكافر لأنه يظهر ما لا يخفي، أما الكافر فظاهر ومكشوف والحذر منه قائم والإستعداد لمواجهته متوفر، أما المنافق يظهر الجانب الحسن الذي يخفي التضليل والخداع وقلب الحقائق التي لا تنكشف في الوقت المناسب بل بعد فوات الأوان وإلحاق الأذى بالطرفين.
وفي المجتمعات المعاصرة الكثير ممن تنطبق عليهم صفات المنافقين. ويمكن للنفاق أن يمارس من قبل أفراد أو جماعات أو دول على أخرى أو حكومات على شعوب. ومن أشكال النفاق التي تمارسه الحكومات على الشعوب التضليل، الخداع، الكذب، إخفاء الحقائق، مناصرة وإعلاء شان فئة معينة فاسدة على حساب الشعب صاحب الحق والبذخ على المسؤولين ما ينعكس وبالا على الشعب والقائمة تطول.
فعندما تزعم الدولة أن الغاز والنحاس واليورانيوم والنفط غير موجودة والخبراء والمختصون يبرهنون على وجودها، فهذا نفاق. وعندما تدعي الدولة أنها تطور المناهج ــ والتطوير يعني التحسين ــ وهي في الواقع ترضي جهات خارجية، فهذا نفاق. وعندما ترفع الدولة أسعار المحروقات أو تثبتها أو تخفضها بنسبة لا تتوافق مع الأسعار العالمية الحقيقية، فهذا نفاق. وعندما تتستر الدولة على الفاسدين والسارقين وتتغول على المواطن، فهذا أيضا نفاق.
وعلى مستوى الأفراد، نرى المنافق يظهر بالتأييد والمناصرة تارة والمناكفة تارة أخرى وهو أشبه ما يكون بالأفعى تلدغ وتنفث سمها وتنسحب لتختفي للإستعداد لجولة أخرى.
واحيانا المنافق لا يجيد فن النفاق وتمريره لقلة حيلته وانكشاف نواياه ومقاصده، ولأن وجهه الذي كان يخفيه قد أميط عنه القناع فيلجأ للمجاهرة بعدائيته ومشاكسته عن بعد لعدم توفر البيئة المناسبة لممارسة نفاقه ولإدراكه أنه كشف من الذين تأثروا بسُمِّه. وهذا النوع مهما جعجع ومهما حاول النيل من الآخرين، لن ينجح ولن يفلح بل تذروه الرياح كالورق المتساقط من الأشجار بالخريف.
حمى الله الأردن من المنافقين وحمى الغيارى الصالحين.
ababneh1958@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى