نور دامس

[review]
نور دامس

يتأمل تلك البطاقة التي تزين صدره ،يمسح بقايا غبار علقت بذاكرة أرقامها

كل رقم يمثل حرفا من حروف اسمه،ولكنّ حرفا رابعا اختفى، ربما سقط سهوا عند البوابة الخارجية…

حياة الأرقام قاسية، هذا ما اشتفَّه من سنواته هنا،

مقالات ذات صلة

لا يدري كم سنة هي بالضبط فالجدران لم تعد تتسع لخربشات أخرى.

جدران السجن كقلوبنا تسأم التكرار ولا تتسع سوى لبضع سنوات،شخوصها غير قابلة للزوال وليست على استعداد لاستقبال قادم جديد.

يجمع ما تبقى لديه من بصر ويدقق في آخر أرقام نقشت على اهتراء الجدار،إذن ربما هي بضع وعشرون سنة..أقل أو أكثر لايهم.

يلملم وريقات كانت يوما صورا لزوجة وبضع أطفال بهتت ملامحهم حتى في ذاكرته،

كانوا أطفالا واليوم لا يسمع صوتا لنبض شبابهم،يحاول رسمهم في مخيلته فيخطأ دوما بلون عيون أصغرهم ، بني داكن أم أسود، لربما كان أخضرا ،لا يتذكر.

صعب عليه أن ينسى لون عيون طفله ولكن يعزي نفسه بأن الألوان في الظلام متشابهة،فلا بأس.

يسترق النظر لبصيص نور دخل بغتة من فتحة في السقف لم يجرؤ على اقترافها يوما،ولكن ربما هي تلك الجدران الحانية استجابت لأنين لياليه فتشققت حزنا.

يتلمس قِدَم تلك الجدران بقلبه,شعور غريب يلفه كلما نظر إليها ،من قال بأنها لا تحوي نبضا، من قال بأنها لا تسمع ولاترى…لا تشعر؟

يكلمها فترد عليه،يشكو لها فتبكي لأجله ،حتى أنها تبادله القبل أحيانا.

هل هو ضرب من الجنون ما يشعر به نحوها الآن؟

يتخيل تلك الساعة بشوق ….ساعة لقاءه مع النور ، هل ما زال للنور ذلك الكبرياء؟

لم يستطع أحدهم يوما لمسه أو الاحتفاظ به في خزائن مظلمة، يااه كيف سيحتمله والظلام يبني في نفسه قصورا وسلاطين.

يتأمل روحه تجوب شوارع المدينة…تستنشق عبقها ، تلثم تراباً ساكنت لأجله الظلام أعواما عديدة، سيقبل ذاك الوطن شارعا شارعا ،يتساءل:

quot;هل يا ترى تغير لون الشوارع أم ما زال الأسود يحتضنها عنوة، كانت الشوارع حمراء قانية يوم أن دخل إلى هنا أول مرة,

سيمرُّ على مدرسته القديمة ،يلقي تحية العلم ويمضي، سيلهو كثيرا ولن يعمل أبدا.

يرى نفسه نائما بين زوجته وأطفاله ، يحتضن سنوات عمر لم يزينه وجودهم،

يتأمل عيون أصغرهم فيخطأ بلونها أيضا،حتى تحت النور.

خطوات تقترب وقلبه ينبض بلهفة…يفتح الجندي الباب ،يلقي إليه ببذلة حمراء ويصيح:

استعد، فالصبح قد أقبل.

يُقبِّل بقايا الصور ويشرع بارتداء ملابسه الجديدة.

quot;بعض الموت حرية أيضاquot;

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى