عكس عكاس / يوسف غيشان

عكس عكاس

عادة مستشرية في الوطن العربي، وهي عادة قراءة الصحف والمطبوعات من الخلف، أي من الصفحة الأخيرة إيابا للصفحة الأولى، هذا إذا لم يترك القارئ المطبوعة بعد الانتهاء من تصفحه للأخيرة. هذه الطريقة ربما نكون ورثناها عن أجواء الف ليلة وليلة، حيث تمكنت شهرزاد في الحفاظ على رأسها شامخا بين كتفيها لأنها لم تتح لشهريار فرصة الوصول إلى مسك الختام من الليلة الأولى قبل الألف.
هذه المسألة السيكولوجية ليس لها أضرار جانبية لو انحسرت على مطالعة الصحف والمجلات، لكن الأمر يتحول إلى معضلة وجودية نفسية اجتماعية شعبية حين يتم تعميمها على كامل مناحي الحياة.
هكذا نتصرف ونتعامل مع الاقتصاد، إذ حينما نضع خطة ثلاثية أو خمسية أو عشرية، ونتوقع منها درجة من المردود الاقتصادي، فإننا ومن الأيام الأولى لوضع الخطة نشرع في صرف وتبذير محصول نهاية الخطة المفترض… نتعامل لكأن الخيرات الاقتصادية قد هلت علينا.
غالبا، تفشل خططنا، فنكتشف بأننا تصرفنا بأموال لم نحصل عليها قط، فنضع خطة للخروج من هذا المأزق، لكننا نعاود التصرف، مثل المرة الأولى… هكذا تستمر خططنا الاقتصادية في الانهمار، ونستمر في استنزاف أنفسنا حتى نقع عبيدا تحت نير صندوق النقد الدولي والدول والمجموعات الدائنة.
هكذا نفعل في السياسة أيضا، إذ نشرع في التمتع بوهج الانتصارات قبل أن تحصل ( وهي لا تحصل أصلا)..نبدأ الحروب بالأناشيد التي تتوعد العدو… ثم ننهزم ولا يبقى سوى الأناشيد التي لا يصدقها…حتى نحن.
الطفل العربي ينهمك في تحديد مستقبلة الأكاديمي وهو ما يزال في الحضانة.. هذا يريد أن يكون مهندسا وذاك طبيبا ( بعض الأطفال الأذكياء يحددون التخصص ) والآخر طيارا، وهذه مديرة مدرسة، وتلك صحفية، وعلى الأغلب يتحول هؤلاء إلى مهنٍ أخرى وعاطلين عن العمل.
الشعوب التي تسير على هذا المبدأ لا أمل لها في جني مكتسبات التنمية المستدامة أو التقدم الحضاري… إذ أن ابسط شروط التنمية :استثمار الموارد بشكل لا يؤثر سلبا على مصير الأجيال القادمة، وكيف نفعل ذلك ونحن نصرف ما في الجيب ونستدين قبل أن نعرف ما يخبئ لنا الغيب.. نبدل العصافير التي في اليد بالعصفور الأعجف الذي على الشجرة، ونصرف قرشنا الأسود في يومنا الأبيض.
كل ذلك لأننا نبدأ من النهايات فننتهي إلى ما قبل البدايات ونظل نكرر أنفسنا وأخطاءنا بلا هوادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى