التقبيل في زمن الكورونا

التقبيل في زمن الكورونا
د.حامد أبو صعيليك

رسائل التوعية والتثقيف الصحي- التي تصلنا – بادرةٌ رائعة، عبوات المواد المعقمة التي تملأ جدران مؤسساتنا ظاهرة أجمل في زمن الخوف على الصحة ، وأروع منهما رائحة النظافة المنبعثة هنا وهناك، وكأننا لم نسمع من قبل :” أنّ النظافة من الإيمان “!!!، فعلا ” الخوف بيعمل كل شي ” كما كانت تقول أمي – يرحمها الله –
لكن رسالة وصلتني عصر اليوم –جعلتني ابتسم في زمن الكورونا – تقول الرسالة :” حتى نظل بخير المصافحة تكفي وما في داعي للتقبيل!! ”
تقبيلُ مَنْ؟ ومتى؟ وكيف ؟ أسئلة كثيرة يطرحها عليّ عقلي الشقي كعادته ، يتعبني وأنا أُفكّرُ في إيجاد إجابات مقنعةٍ لها .
ما المسموح من التقبيل وما الممنوع ؟ قبلةُ على جبين الأم ! أم قبلةٌ على ظهر كفّ أب ! أم قبلة سلامٍ على خدٍ ! أم وأم ….
ثمة ثقافة من التحدي تشيع في مجتمعنا تُحيي فينا مقولة :” كلّ ممنوعٍ مرغوب “، فصديقي –مثلا- يُصرُّ على تقبيلي رغم أنفي ورغم أنف الكورونا !!ورغم كلّ تحذيرات منظمة الصحة العالمية!
وفي كل لَـمّة رجالية أو نسائية تكون الكورونا هي سيدة الموقف …” لأنّ أول سؤالٍ ستسمعهُ وسط ضحكات الحاضرين وقهقاتهم : “يا جماعة مسموح التقبيل؟
الرعب الذي يسكننا من فايروس كورونا ، لم يعطل مفاصل الحياة وحدها –كما هو الحال في بعض الجوار- ولم يعطل قبلاتنا الحارّة كما هو الحال في بلادنا، بل يبدو أنه في طريقه لتعطيل عقولنا ، لأننا اليوم مرعوبون بين ـ:” تقبيل فوبيا ” و ” تعطيل فوبيا ” ..
أقول :” تقبيل فوبيا ” وأنا أدخل إحدى صالات الأفراح ، يقابلني أحدُ المغادرين على درج الصالة، فهمستُ في أذنه :” في تقبيييل ؟ فقال :” لناس وناس …
وفي مواقف أحد المولات ينصعق صديقي وهو يقرأ لوحة مرور مكتوب عليها ” مواقف للتقبيل؟! ، ليخبره موظف أمن المول أن عليه أن يلبس نظارة ؛لأنّ اللوحة :” مواقف للتحميل وليست للتقبيل….
أقول ” تعطيل فوبيا ” ، وأنا أجلس في أحد البنوك أنتظر دوري في مراجعة الصندوق، أقرأ لوحة أمامي مكتوب عليها ” ممنوع التقبيل ” لأكتشف وأنا أقتربُ إليها أنها ” ممنوع التدخين “!!!
ولأني شديد الغرام بالشّعر وقع بصري على قصيدة بعنوان ” لا تصافح “! ارتعبت !! فهل منعوا المصافحة ؟!! رغم أنّ القصيدة لم تكن في زمن الكورونا – لأكتشف بعد ثوانٍ أنها ” لا تصالح ” ، فعلا العتب على النظر !
فنحن الشعب المغرمُ بــــــ(لا) ، تنظيرا لا تطبيقا ، مدخنون رغم كلّ لاءات التدخين ، ومتهورون رغم كلّ “لاءات الحوادث” ، لا وألفُ لا تصدع بها حناجرنا كل يوم ولا مجيب ، “لا للفساد ” و ” لا للفاسدين ” “لا للغاز ” و ” لا للعار ” …
قلبي على ثقافتنا المنبطحة أن تطالها هذه الفوبيا ، فتتبدل أغانينا من ” أنا بكره إسرائيل ” إلى ” أنا بكره التقبيل ” مع الرحمة لروح شعبان …ومن ” ويلك يا الي تعادينا…” إلى:” ويلك يا الي تقّبّلنا يا ويلك وييييل ؟
ولأولئك الذين تعطلوا عن مدارسهم وجامعاتهم في غربتهم ، وأُغلقت في وجوههم منافذ الحدود، ولسان حالهم يقول :
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ,…وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
وهم أكثرنا تشوقا لتقبيل أحبتهم ! نهديهم :” قَبــّلتك بالصييف قَبـّلتك بالشتي ” مع الاعتذار لفيروز ….
إلى متى سنظلّ بين ثنائية ” التقبيل ” و ” التعطيل ” ؟ إلى متى ستظلّ ” كورونا فوبينا ” تعطل أدمغتنا؟! أقول أدمغتنا ، وأنا يحزنني هذا التعطل العلمي في وطني العظيم ، تحزنني أكوام كليات الطب والصيدلة والمستشفيات والمختبرات في عالمنا العربي ، ، وأرتال مصانع الأدوية من محيطه إلى خليجه ، وطوابير الصيادلة والأطباء والمخبريين والمليارات التي أنفقت على تأهيلهم دون أدنى حراك أو مشاركة علمية فاعلة في إيجاد عقار يحمي أمننا الصحي العربي!!
إلى متى سنظلّ ننتظر فاتحا من الغرب أو الشّرق يأتي بالعقار إلى الديار؟!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى