
لكنها الصدف ….
لم أتوقع أن أكون طالبا في جامعة اليرموك ، فالجامعة الأردنية أقرب ، وهي أم الجامعات ، وقبولي مضمون …… لكنها الصدفة . كان ذلك اواخر القرن القرن الفائت . بعض الصدف لها تأثير حاسم في مرحلة ما ، وبعضها يرتقي تأثيره الى مجمل المراحل القادمة . اليوم ادرك حجم تلك الصدفة ، بل وعمقها وأهميتها .
كتبت كثيرا عن مرحلة اليرموك ، وفي كل مرة أستشعر نقصا ، أو لأكن أكثر وضوحا ، أكتشف أهمية المرحلة وخطورتها ، وأجد في نفسي حاجة لإضفاء المزيد ، واستجلاء الأعمق والأهم ، وفي كل مرة تقصر المقالة عن بلوغ الحاجة ، وأرواء الظمأ ، وإرضاء الضمير ، الى
أن وجدتني قبل ثلاثة أيام أغرق في الكتابة عن اليرموك وإربد ، كنت أدخل الغرفة ، أغلق الباب بالمفتاح ، ثم أسكب ما تيسر لي على ورق كثير .أقضي الليل بطوله ساهرا ، أنفث دخانا ، وأحتسي كميات كبيرة من الشاي ، ثم أنفصل عن الواقع الخارجي تماما ، أستحضر الصور والمواقف والأحداث ، أسجل ما أستطيعه ، وأعيد تركيب ما لم أقو على البوح به ، ولكني في كل ما أكتب تحريت الصدق ، وانتويت الخير ، واجتهدت النصفة .
واليوم يذكرني ابني عبد الله بحجم ما كتبت ، وقد قرأ بعضه ، ودهشته به . يذكرني بحاجة الغرفة للتوضيب ، والأوراق للترتيب . يبدو أنني قطعت مسافة كبيرة في روايتي الأولى ، على غير موعد أو إرادة أو رغبة ، كنت مدفوعا إليها ، أسابق الزمن ، وضياع الفكرة ، والحاجة الفكرية والنفسية . وأعلم إنها ذات الصدفة ، ذات القوة القدرية التي تسوقنا في دروب لم نخترها ، لكنها تصنع حياتنا ، وحياة من حولنا رغما عن الجميع .
وإن كان من اعتذار فأولى الناس به الدكتور الإنسان عبدالله درادكة ؛ طبيب العظام ، ومالك البيت الذي استقررت به طوال ثلاث سنوات ونصف ، كان كتلة من خلق وأدب ، محبا للعلم ، زاهدا في المال ، حنونا مع الغرباء ، مثقفا إلى درجة واسعة ، حازما وصلبا في كل موقف ونأمة . لم ينسنا إذ كنا ضيوفه ، ونسيناه إذ أوهمتنا الدنيا . الدكتور عبدالله له دين كبير وحمل ثقيل ، أديت بعضه فيما كتبت ، وسأؤدي البقية فيما ظل من رواية .
لأربد فضل…. ولجامتعها دين … ولمن تعارفنا حق أن نعيد رسمهم ، عند هذا الحد ستنتقل إربد من الذاكرة إلى الخيال ، ثم إلى المستودع المقدس …. مجرد عواطف خاضعة للأنا العلوي ….. مجرد فكرة صاغها ذات مساء عزيزنا فرويد .