طرف واحد

طرف واحد

المحامي خلدون الرواشدة
أتسمحون لي بمساحة للبوح ، للتفريغ وللصراخ ، والخروج من مساحات الصمت الواسعة لضيق الكلام المحدود.
فأنا لست بحاجة لكتابة مقال بقدر حاجتي لفرصة من النحيب ولمن لا يعرف النحيب ، هو البكاء الشديد بحشرجة تتخللها تشنجات واختلاجات في الصدر، بالمختصر هو دعوة للاختناق.
قبل عشرين عاما أو يزيد وقعت في الغرام ولأني منذ أن قطعوا لي الحبل السري اعتدت أن يكون غرامي من طرف واحد وحبل واحد كان عشقي من طرف واحد.
وقعت في غرامها فكنت في كل يوم أقف انتظرها في الطريق فتمر بمريولها الأخضر وبشبرات الجدايل ، كانت تسير بخفة العصافير وبزهو الفراشات ، وكنت أعرف بأني في طريقها لست إلا كفزاعات الحقول. لكنها كانت بالنسبة لي سكر الحياة وندى الصباحات.
كنت أتبعها بخطاي المرتجفة وأردد على مسامعها أشعار نزار وقصائد العشق وأغاني عبدالحليم ، وكنت أسمع ضحكاتها وأرى حركاتها وأشعر بكبريائها حينا وبغرورها حينا وبسذاجتها حينا آخر.
فأواسي نفسي بأغنية سعدون جابر … صغيرون يا بعد أهلنا وبفراقك شلون …
أذكر أنني مرة وعندما تجرأت رميت إليها برسالة ، قضيت الليل في كتابتها ، كانت من 3 صفحات حرفت فيها شعر نزار وعدلت كل القصائد … فقلت … دعيني أناديك ببلقيس … بلقيس يا أجمل الملكات في تاريخ بابل …. ويا أطول النخلات في تاريخ العراق … بلقيس يا وجعي ويا وجع الأنامل عندما لا تملك إلا الكتابة فيكي…..
وقتها زينت الرسالة بقلوب حب وباختصارات الحروف ونثرت عليها بعضا من الكالونيا وكثيرا من الوجد والشوق وذيلتها بجملة (بانتظار الرد).
في اليوم التالي رأيتها تجلس في سيارة أحد الشبان وتتبادل الغرام معه خلف أسوار المدرسة وثمة انسجام وثمة استباحة للجدائل وعندما رأتني أعادت ربط الشبرات من جديد.
فوصلني الرد وبه اكتفيت.
أمس قرأت موضوع عن ضعف ثقة الشعوب بالحكومات لذا أنا لا أكتب عن قصة عشق فاشلة ومن طرف واحد … بقدر ما أريد أن أبين سبب ضعف هذه الثقة … بالمختصر علاقة الحب كانت من طرف واحد وهناك تمييز بين من يملك استباحة الجدائل وفك الشبرات وبين من لا يملكها.
بالمناسبة اسمحوا لي أن أعدل مرة أخرى على قصيدة نزار …
سأقول في التحقيق
أن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وإن القائد الموهوب أصبح كالمقاول
وما عاد أحد يميز بين الحدائق والمزابل
سأقول في التحقيق
بأنني أعرف من قتل الياسمين
وأعرف أسماء الأنبياء الكاذبين
اللذين قتلوا الرسولة ومزقوا الرسالة.
المحامي خلدون محمد الرواشدة.
Khaldon00f@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى