ضماٸر مستعملة

#ضماٸر #مستعملة

شبلي العجارمة

بعد رحلةٍ محفوفة بالمشقة للأستاذ عياط في وساٸل النقل العام يوم الجمعة, کان قد عاش أحداثها لأستاذ عياط في جمهورية إحدی حافلات النقل الشعبية بين سلطة الشوفير وحکومة الکنترول الدکتاتورية , کانت أرضية صالون الباص تعج بصناديق الفلين الأبيض المعبأة بورق العنب , وصفاٸح الجبنة وسلال البيض البلدي , کانت رواٸح برکات البدو والفلاحين تفوح في کل أرجاء الحافلة ,طقطقة المسابيح ,عکاکيز الکهولة , وشخير النومی الذي کان يبعثر هدوء الفجر في صمت الحافلة, في حافلات النقل الشعبية قطعة من وطن الصفيح علی عجلات البطیء وشوارع الحفر المهملة بامتياز.
كان الأستاذ عياط المدرس المتقاعد يستمتع بأجواء وسط البلد ليوم الجمعة ,ربما کان يحرص علی هذا الروتين الأسبوعي منذ زمنٍ بعيد بعد أن ترمل من زوجته , کثيراً ما کان يذهب دون أن يشتري أي شيء ,فقط کان يستمتع بالقاعدة الفقهية المتوارثة للشعب المصري “العين بصيرة والإيد أصيرة “.
کان يجوب أرصفة الساعات المسروقة والهواتف النقالة المضروبة ,کانت ضفاف شارع وسط البلد فوضی من الأحذية الهتلرية ,وعجقة من الخرداوات ومجزرة الألعاب المستخدمة التي جمعها عمال الوطن في ليلهم الحالم ببضاعةٍ مزجاة علی عتبات بيوت المبشرين بالرفاة والرخاء والوظاٸف العليا والرواتب الفلکية,کل هذه التفاصيل کانت أنشودة السوق الأبدية التي يحفظها الأستاذ عياط.
قلم رٸيس وزراء مستخدم أربع حکومات للبيع, علبة سيجار هافاني فاخرة وفارغة استخدام رٸيس هيٸة مستقلة , منفضة سجاٸر لأربعة وزراء تموين مراحيم للبيع , تحف حکومية ,خردوات رٸاسية ,أناتيك وزارات للبيع , هرول الأستاذ عياط نحو صوت الباٸع الخشن , کان يمعن النظر بکل مفردات البسطة الأرستقراطية الخافتة اللمعان ,لفت نظره فرش خشبي مستطيل عليه قطع من المطاط البني الداکن ,وکُتل من الکاتوشك الأسود , سأل الأستاذ عياط باٸع البسطة ما هذه الأشياء البنية والسوداء ?,قال له باٸع البسطة :هذه ضماٸر حکومية ,باشاوات, أعيان, نواب ,وزراء ورٶساء حکومات مستخدمة للبيع بأسعار متوسطة ومحروقة .
الدهشة تکبل کل حواس الأستاذ عياط ,أخذ يبرطم ,ضماٸر مستخدمة للبيع ! , مسك بقطعة مطاط بنية داکنة وسأل ما هذه ?,قال له الباٸع ;هذا ضمير رٸيس وزراء سابق استخدم لتوقيع صفقتين واتفاقية وبروتوکول واحد , تناول کتلة سوداء متفحمة کبيرة وسأل عن سعرها أيضاً ,فقال له الباٸع ;هذا ضمير وزير أشغال عابر للحکومات تخصص منح مجانية من دول شقيقة وصديقة قام بتوقيع عشرات البروتوکولات المتلفزة ,وهذا الضمير عليه عرض يا حاج ,اشتريه وخذ عليه بونص ضمير رٶساء هيٸة مستقلة عدد ٢ ,وضمير مدير مکتب وزير واحد .
قام الأستاذ عياط ذو الستين عاماً ونيف بفك أزرار قميصه الشتوي وکشف عن صدره الأشيب النحيل ,وقال لباٸع البسطة ; بکم تشتري هذا الضمير يا معلم ?,قهقه باٸع البسطة وقال للأستاذ عياط ; يا حاج هذا الضمير بعده بورقته جديد واحنا تخصص ضماٸر مستعملة ,نصف عمر أو محروقة حد التفحم .
نسي الأستاذ عياط إحدی قطع المطاط بيده ومشی وهو يحدث نفسه “حتی الضماٸر تباع علی بسطات سوق الجمعة !”.
کان الأستاذ عياط يذوب بين المارة وصاحب البسطة ينادي خلفه ;يا حاج رجع الي بيدك , ثم ضحك باٸع البسطة بکل سخرية وهو يتفقد بسطة ضماٸره المستخدمة,ثم قال :ما بهمش أصلاً الضمير الي نسيه الحج بإيده ضمير رٸيس قسم في وزارة الإعلام وإله سنتين علی البسطة ما حدا حط فيه سعر منيح الي الحج ريحنا منه .
قرب علی المستعمل کأنه جديد, نضارات شمسية لباشا ,معطف ساٸق رٸيس وزراء , ضماٸر مستعملة أقل من نصف السعر ,قرب يابه علی اللنق الحکومي کأنه جديد کأنه جديد .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى