وصية طبيبة نسائية / د . ديمة طارق طهبوب

وصية طبيبة نسائية
«ادعي لها بالزوج الصالح» هذا ما كانت تردده الطبيبة النسائية على صديقتي وهي تعاني آلام الطلق التي لا يخرج معها سوى الصراخ وزفرات الوجع الذي كلما زاد زاد معه تذكير الطبيبة بذات الدعاء؛ أملا أن يكون هذا المقام العسير الذي تكاد فيه روح الأم تخرج من جسدها لتعطي بأمر الله حياة لروح جديدة مقام استجابة وتحقيق.
قد تبدو غريبة ومبكرة وصية الطبيبة لأم الجنين الأنثى التي لما تخرج بعد من الرحم ولم ترَ نور الدنيا ولم تعد من البشر وستمضي سنين ليست بالقليلة قبل أن يكون هناك مجال لتحقق الدعاء! ولماذا الدعاء بالزوج الصالح وليس أي شيء آخر من عطايا الدنيا ونعم الله؟
لماذا وفي هذه اللحظة الحاسمة والجنين الأنثى تنتظر الولوج الى الدنيا بأول نظرة وأول صرخة وأول دمعة وأول حضن؟
هل أدركت الطبيبة معنى الحديث الشريف «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد» وعلمت أن الزوج الصالح من أحد أهم أسباب السعادة وأن صلاحه يحفظ بقية النعم من رزق واجل وعمل، بينما سوءه يضيّق الرزق والدنيا في العين ويمني النفس بانقضاء الأجل أو الزواج خروج من الكرب العظيم؟
ويعضد هذا المفهوم في أن الزوج الصالح من خير نعم الدنيا أحاديث أخرى، منها: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة» والدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» وصحيح أن الخطاب للرجل هنا، ولكنه يستوي للمرأة بذات الأهمية فالعلاقة تبادلية والخير تشاركي، كما جعل الإسلام الزواج كمال نصف الدين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم» إذا تزوج العبد فقد كمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي»، وكان من شدة صلاح بعض أزواج الصحابة أن رغبت زوجاتهن في صحبتهن في الدنيا والأخرة فدعت أم الدرداء» اللهم انك أكرمتني بصحبة أبي الدرداء في الدنيا من غير أن أسألك فلا تحرمنيها في الجنة وأنا أسألك»، بينما يكون البعض فتنة لا يصلح معه الا أبغض الحلال وتكون المرأة الرابحة والناجية ولو ألبسها المجتمع الذنب من غير جرم!
ولكن المبدأ مع وضوحه في أهمية الزوج الصالح الا أن التطبيق والمعروض في واقع الحياة يجعل الاختيار صعبا، وأراد الرسول أن يسهل علينا الأمور فجعل الأسبقية للدين والخلق، وفي هذه لا تكفي ممارسة العبادات، فالرجل قد يصلي ويقوم بالفرائض ثم لا يحترم زوجته ولا يحسن إليها ولا يعاملها بالرفق ولا يحرص على نفعها والارتقاء بها! وقد ينعته المجتمع بالتدين وهو لا يراعي حرمة المرأة وعواطفها ويعاملها كالبهيمة التي اشتراها بصك زواج؟ وعندما لا تكفي العبادات وشهادة الناس بحسن الظاهر فماذا يدل على الناس وأحوالهم وبواطنهم؟ كم يبدو الدعاء بالزوج الصالح سهلا ومحببا، وقد كان ذلك قبل أن تفسد ذمة الناس ويكون التملق والتزين حتى الكذب مدخلهم على الإناث ليتكشف بعد الخطبة والزواج ما لا يحمد عقباه والكسر الأكبر من نصيب الأنثى؛ لذا كان الدعاء لها بالتوفيق أوجب وألزم، فالزواج ليست تجربة أو لعبة، إما تصيب وإما تخيب؛ لأنها إن خابت فنتائجها كسر للمرأة وكسور في أسرتين وكسر في المجتمع عندما يتعادى أفراده وتتغير نفوسهم.
واكتشاف الأخلاق يحتاج الى مدة وتعامل، ولكن ماذا عن حكم الشرع والخطبة بدون عقد وهذه تحتاج الى رأي الفقهاء ودراسة أحوال المجتمع التي تبين أن الطلاق والطلاق قبل الدخول خاصة في ازدياد مطرد؟ هل من الممكن التمهل في عقد القرآن رغبة في التعارف بشكل اعمق بضوابط في السلوك والدخول والخروج وعدم الخلوة أو الكشف حتى نتجنب مشكلة الطلاق قبل الزواج التي تعد طلاقا على أي حال وتبقى الأنثى بالذات تحمل أوزراها وصفتها؟
وماذا عن الكفاءة الاجتماعية بين الزوج والزوجة والتشابه في ظروف المعيشة؟ أليست هذه أيضا من الصلاح بمعناه العام الذي يعين على التوافق والانسجام؟
الزوج الصالح مع حسن دينه وخلقه هو من يجعل من نفسه كما قال هوميروس أبا وأخا وأما لزوجته لأن التي تركت كل هؤلاء من أجله تستحق أن تجد فيه كل أقاربها وبنفس عواطفهم ومروءتهم، والمطالب ليست رومنسية ولا مستحيلة ولا غريبة عن ديننا وثقافتنا، إنها تجليلات المودة والرحمة التي جعلت أسأس الزواج وهو تقديم المرء لنفسه في شخص زوجته، فالكريم من أكرمهن واللئيم من أهانهن.
هي لائحة طويلة ولكن الزمن الصعب جعل التفصيل مهما لعل الله يحفظ لنا بناتنا فلذات أكبادنا فيكون زواجهن فرحا وامتدادا وعضدا في الدنيا وأملا بلقاء أعظم في الجنة جعل أعظم الأزواج يستبشر ويبشر به أعظم الزوجات، إذ قال «يا عائشة إني ليهون علي الموت أني رأيتك زوجتي في الجنة»، وقال يوصي ويصبر ويضرب المثل في شرع من قبلنا «إن الله يوصيكم بالنساء خيراً فإنهن أمهاتكم، وبناتكم، وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما يعلق يداها الخيط؛ فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموت هرماً».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. د.ديمة كلما كتبتي في هذا الموضوع احس بأنك تدخلين إلى أعماق أفكاري. كم هو محبط و محزن ما وصلنا إليه و كم أصبح من الصعب إيجاد من يفهم و يفكر و يتأمل و لا يتعامل معك بدونية و سادية مقيتة. حسبنا الله ونعم الوكيل.

  2. د ديمه. لا اعلم هل من الحكمه والمصلحه ان نلبس افكارنا ومشاعرنا وفهمنا الخاص للحياه بغلاف واطار ديني؟؟؟ لا اعتقد ان في اي ركن من اركان وادبيات الدين الاسلامي ذكر ل ( الزوج الصالح)!!! الحديث دوما عن الزوجه الصالحه وصفات الزوجه الصالحه وثوابها. ربما باعتقادي ان الاسلام ينظر الى الزوجه على انها مفتاح السعاده والصلاح في بيتها ان صلحت كما انها قد تكون مفتاح للشرور والفساد ان كانت غير ذلك. والله اعلم.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى