سواليف حصيدة / شبلي العجارمة

سواليف حصيدة

الشمس عامودية أکثر مما يجب ،وحقل القمح کان يزيد عن المٸة دونم،وکانت مستعمرات الشوك ومستوطنات النمل وجحور الحيايا والزواحف جزءُُ رٸيس من هذا الحقل بل وسکان أصليين توارثوا هذه البقعة من الأرض ربما منذ آلاف السنين، ورجوم الحجارة العشواٸية هي ندبُُ انتشرت علی وجه وجسد مارس القمح للجد والتي استعصت علی الأجداد منذ مٸات السنين علی أنها تشکل الوطن الأصيل لطاٸر البوم مثلما قال المثل ”البوم يعشش بالرجوم“ ، الشعيب ذلك الواد غير المنتظم في وسط هذا الحقل وبعض الأودية المتطفلة والأخاديد الصغيرة تضاريسُُ حفرت وجودها کمرضٍ عضال استعصی علی أمر الأطباء اجتثاثه.
وسط هذا المعترك الطبيعي نصب الجدّ الکبير عريشة الحصيدة في منتصف الحقل ،کيسان من الخيش الفارغ وأربعة حبال ومثلها أعمده صغيرة وأوتاد خشبية وقالون ماء من البلاستيك المغطی بالخيش الرطب وإبريق شاي زاٸد عن حاجة البيت ،بهذه العريشة التي تکوم تحتها أربعة صبية وامرأة أرد الجدّ هزيمة هذا الحقل وحصده بأقل وقت ممکن .
في عرف الحصادين فإن الحصيدة علی الفجر الرطب والندی لا تجوز ،لأن الندی يشکل ليونةً لسيقان القمح الأصفر القايص وهي بذلك لن تکون طيعةً سهلة أمام شراهة مناجل الحصادين ، ارتفعت الشمس أکثر وقام الجدّ والصبية الأربع والمرأة بشق أول وجهٍ للحصيدة بمساحةٍ لا تتعدی ضعف عرض ظهورهم ، في آخر الوجه الأول قام الجدّ بإرسال المرأة لإعداد أول إبريق شاي وسيکون موعد شربه علی نهاية وجه الحصيدة الثاني ، انتهی الوجه الثاني بأقل مساحة بسبب غياب المرأة، أخرج الجدّ سيجارة الهيشي بعد أنّ لفها وقام بتف زواٸد رقاقة الأوتومان في وجه المرأة والصبية الأربع.
قال أحد الصبية وهو يغب الماء من العطش وبعده الشاي ”يا جدوه متی ودنا نخلص هاظ کله يا بوووي ما اکبره؟“ ، وقف الجدّ وهو يثعب علی الهيشية التي ملأت صدره بخامس أوکسيد الکربون وعمرت رأسه واستنهض الصبي وقال وهو يضع کفه الخشن علی کتف الصبي ويٶشر بسبابته ”هسا بس نخلص الشاي ناخذ هاظ الوجه ونرجع بهظاك الوجه ونطيح بالوجه الي بعده ومن عند الوادي ننزل بوجه ونرجع بوجه غير الفطور جاي، نفطر وناخذ وجه ونطلع بوجه الخ الخ “.
علی حديث الجدّ الممزوج بتفتفات الهيشي قبل غروب الشمس سوف يضع حقل القمح علی البيدر وهو يسدد فوهة هيشيته من کتف الصبي الصغير .
ثم قال ”جدوه قوموا انتوا وعمتکوا وطيحوا بهاظ الوجه اکون ضاربلي خرطرشة هيشي ثانية والحقکوا بالوجه الثاني “.
طنات العناوين الکبيرة ،ورنات المشاريع التعبيرة الإنشاٸية الإملاٸية ،ونظريات الحلول المنبوطة من خلف نوافذ المرسيدس الفارهة هي أيضاً لا تفرق عن نبط الهيشي وخرط الجدّ وسذاجة المرأة والصبية،بدء النهضة من رأسَ هرم الکماليات زحلقةً وانحداراً من أضلاع المثلث الأساسية إلی أسفل الهاوية واستقراراً في قاعدة الضروريات هي أيضا کهزيمة الشمس والحقل بکل معيقاته وشواٸبه بخيشتين وأربعة أعمدة بحبالهن وأوتادهن وقالون الماء المعفن.
وجه الشبه أنّ عريشة خيش الجدّ استقرت بکل بساطتها علی الدوار الرابع وحولها أبو الحروف لقرميد وحجر وحداٸق ونوافير ومکيفات لتقهر الشمس عن فناٸها فقط بسقف وأعمدة أکثر صلابة وحجارة أعتی علی الصمود رغم تقلبات الطقس وجدران تعزل کل أصوات النشاز ،کل ذلك لتطل علی الحقل المترنح بالأمنيات والمستغرق بالأمل والمبحر بأحلام النهضة الواقعة والمايل حظها وطايح سوقها .
النبط تطور من کتف الصبي إلی النضخ بعناوين الصحف والخرط علی شاشات المرٸي وتلاوة التصريحات الإنشاٸية خلف المسموع .
کل ما هنالك من تطور هو فقط استبدل الجد خيط الصوف من معصمه بساعة رولکس مذهبة، ومن خرطوشة الهيشي أم التفتفات إلی السيجار الکوبي ولکن بلا تفتفات!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى