سوء تفاهمي بوجعني / ليث مصطفى

سوء تفاهمي بوجعني
#رجاااااء_الي_بدو_يقرا_يكمل_للاخر_او_لايقراء

#العابث_الاخير

“سوء تفاهم”

هلاّ الساعة 5 ، الشمس شككتني في حالي، كأنها 2 أو 3 العصر. شفت الساعة مرة ثانية.. برضو خمسة. الساعة تقليد وبتتأخر في الوقت، خربانة يعني، بس بناسبني كتير خللها الفني، بتعطيني الساعة ساعتين، يعني اليوم بعيشو يومين، وهلما جرا.

مقالات ذات صلة

عموماً، علاقتي مع الزمن يشوبها الشك وسوء التفاهم من اللحظة الي انولدت فيها في سنة كبيسة، ولزيادة سوء التفاهم، انولدت يوم 29 فبراير 1992 ، يعني عيد ميلادي بيجي مرة كل أربعة سنين . ومن تلك اللحظة خلافي تعمق أكثر مع البعد الزمني للأشياء، وأمسيت إنسانا مسطحا ببعد واحد، حاملاً أسئلة فلسفية كبرى أهمها : هل أنا (تكنيكلي) بكبر سنة وحدة كل 4 سنين ؟

الجواب غامض جداً مثل حالتي الطبية إلي بعاني منها : ورم سرطاني، وقاعد بحكيكم وأنا في عيادة الدكتور أدهم نصار في مستشفى عمّان الجراحي، وعم بستنا الممرضة الأمورة تنادي اسمي “سَجّاد” ، بفتح السين، بس المحتوم محتوم، ورح توقع منها “الفتحة”، وتناديني “سِجّاد”، بكسر السين الله يكسر رقبتها.

بس مش ذنبها !! إسمي كان “سوء التفاهم” الثاني الي أكلتو في حياتي. أبوي فكّر أن ولادتي في يوم لا يتكرر إلا كل أربع سنين عبارة عن سر مقدس، وإني ممكن اصير زي “بوذا” #جوكر فسماني “سَجّاد”، يعني كثير السجود. وهو إسم لا يمكن أن يهزم الإدراك التصوري لكلمة “سِجّاد” ومفردها “سِجادة”، لأن الكلمات بالنسبة إلى العقل البشري تأتي مع صورتها، ولأن إسمي نادر الذكر في ثقافتنا المحكية يومياً، مقابل انتشار السجاد والموكيت، كان لزاماً على كل من قرأ اسمي أن يدوس عليه. وهذا الي كان يصير مع أمي وأبوي في بيتنا لما يحكولي: “انت الواحد ما بستفيد منك بشي .. يا دوبنا نمسح كنادرنا فيك “.

حالة الإستهتار العائلي بشخصي كانت مبررة ومقنعة بالنسبة إلي. وبما إني عم بحكي بصراحة، لازم اعترفلكم إني غبي جداً إلى درجة ممكن من خلالي تشوفو الغباء “فيزيكال” وتلحسوه، تذوقوه، تشموه، وتاخدو معو سيلفي . مثلاً، في بدايات الورم السرطاني كنت أدوخ، وكنت مقتنع تماماً إذا لفيت حولين حالي عكس الدوخة، رح تروح الدوخة.

كنت حالة ذهنية تستحق التشريح، تراكم اختزالي لفشل سلسلة من الأسلاف في آدمي واحد، يورانيوم مشع بالفراغ في داخلي، غبي إلى درجة إذا حسبت على الآلة الحاسبة 2 ضرب 2 بطلع الجواب خمسة وشوية كسور ما بتجبر الخاطر. وفي بدايات تشكل الغباء – في الإبتدائي يعني – كنت أعد اصابع إيدي ورجلي ويطلعو 23 اصبع، وكل ما الأستاذ الوغد يطلب مني أعيد العد يزيدو اصبعبن في كل مرة. وبناء عليه، سقطت 3 مرات في الثاني ابتدائي، بس الحمد لله أصابعي نجحوا !

هلا ما بعرف شو رح يحكيلي الدكتور وشو نتيجة التحاليل، وعشان هيك لازم أكون صريح، شفاف، وأتجرد من ملابسي واشلحلكم واشرحلكم قديش أنا تعبت كتير علشان أنجح وأصير غبي “محترف”، وفاضي من أي خطيئة، يعني ما عندي ذنوب وكبائر زيكم لأنو ابليس مش راضي يوسوسلي، والملاك الشمال تاع السيئات بهش ذبان. أصلا عادي، أنا بحب الله بس زعلان منو لأنو ما خلاني أخلص المدرسة، وزبطلي شغل في مدينة (الجبيهة) للملاهي، بدخل الأولاد الألعاب بالدور وباخد منهم التذاكر، وبقبض 110 دنانير كل شهر، وكل يوم بغني “الدنيا زي المرجيحة يوم تحت وفوق”.

بس أكتر شي بسليني في هالدنيا أني سكران طول الوقت .. آه سكران، لا تعيدوا قراءة الكلمة وتستغربوا وتعملوا فيها متفاجئين. أنا هلا عمري 35 سنة، ودايماً سكران ومزهزه من وأنا عمري 16 سنة. الموضوع إلو علاقة كمان مع سوء التفاهم مع هالدنيا. برضو ملاك السيئات عم بهش ذبان هالمرة وما سجل ولا سيئة ، رغم إني سكران كل يوم.

سوء التفاهم جزء عضوي مني، بتقدرو تقولوا إني ممكن اروح على الدكتور واحكيلو “سوء تفاهمي” بوجعني، واطمن عليه واعملو أشعة. بديش أطّول عليكم القصة، نرجع لموضوع الخمرة الي بشربها كل يوم مع إني ما بشربها . طلعت القصة حالة مرضية نادرة جدا اسمها (متلازمة مصنع الجعة الذاتي)، يعني لما فحصت دمي اكتشف الدكتور أيمن الخالدي من المدينة الطبية إني عندي حساسية من خميرة الخبز، يعني كل ما آكل أوأشرب مادة فيها نشويات مثل المعجنات والمناقيش والخبز أو كربوهدريكات زي الكولا، تتخمر داخل معدتي وتحول السكريات إلى (إيثانول) ينتج الكحول . كل رغيف خبر باكلو بيعطي مفعول 7 كاسات بيرة . عفكرة بمزحش، هاي حالة مرضية نادرة تفتح شهية كل شيوخ الدنيا للفتوى، وتفتح شهية كل سكرجية الأردن أنهم يعيشو جوا معدتي .

كانت المشكلة مش مشكلة بالنسبة إلي، لأنها بتعطيني نوع من الرخاوة، وتخفف عني سوء التفاهم الذي بدأ بعيد ميلادي الذي يأتي مرة كل 4 سنين، واسمي الذي إن قرأته دعست عليه، والورم السرطاني في الدماغ، ومصنع البيرة الي جواي، وفجأة سيداتي سادتي، جاء اليوم الذي تحول فيه كل شئ!!

نعم، كل شي تغير من تسع شهور. آه آه من تسع شهور صار سوء تفاهم بيني وبين سوء التفاهم وحل عني. الورم السرطاني بدأ يستفحل ويضغط على المراكز العصبية في الدماغ ويزيد نسبة الذكاء بدرجات مجنونة. الدكتور أدهم مش مصدق كمية المعادلات الرياضيات الي حليتها في العيادة بأصابع رجلي قدام صاحبو بروفسور في الجامعة الأردنية. صرت سريع في القراءة، وخلصت 900 كتاب في 9 شهور وحسيت أني عشت 900 حياة . ولقيت حالي بعزف غيتار وبيانو. بس كانت أصابع البيانو الـ 88 غير كافية للمساحة الموسيقية التي في داخلي، كنت عم بفقع موسيقياً فصنعت واحداً أضفت إليه عشرين اصبعاً، تخليداً لمرحلة الإبتدائية.

كمان بطلت أشوف الألوان، صرت أشوف الأمواج الضوئية، وكل الأشياء المادية من حولي بطلت تعنيلي، وصرت أشوف مكانها ذرات متناهية الصغر تسير بسرعة خارج الزمان والمكان الذي تعيشون فيه فلا ترونها.
الورم عم بيكبر، وبتحسس حجمو من خلال حجم رصيدي البنكي : صرت اللاعب الأول في سوق الأسهم ، وحساباتي في البنك العربي صارت حديث المحاسبين والمدققين، وآلاتهم الحاسبة مع عم تلحق أصفار . وبطلت الحّق بزنس ومصانع، منها مصنع شرائح الكترونية بعد ما أقنعت الحكومة الأردنيةإانها تسحب الهويات ودفتر العيلة وتزرع الشرايح في أذرعة المواطنين لاختزال كل المعلومات، وتقوم بتسجيل كل بيانات الجهاز الهضمي وترسل إلى سيرفرات الدولة كشف حساب رقمي بكمية كل ما يشربونه ويلتهمونه ويخرجونه، من أجل تأمين حياة أفضل بكمية دقيقة دون هدر. بس على كل شريحة الحكومة لازم تدفعلي 10 دنانير، وفي المقبال تاخد من المواطنين 100 سنويا .

الورم يكبر، ومساحة الأراضي التي أملكها بدأت تكبر وتكبر، حتى إني عملت انقلاب في مفاهيم السوق العقاري، وتم الغاء مفهوم (الدونم) وصارو المليانين يركضو ورا الأميال المربعة، وخلصت عبدون، والرابية وعمان الغربية كلها صار اسمها “سجّاد الغربية”، وهلا عم بفكر بالمتر الهوائي المكعب، لأني رح أبيع سما عمان بالأبراج وما اخلي الفقراء المملين يتنفسو . صرت أفهم بكل شي، وعدلت قانون النسبية وخليتو أردني بحت، وبعدين لغيت النسبية الي فيه.

الورم آخر شهر وصل لمراحل متقدمة جداً، وزاد الضغط على مناطق أخرى في الدماغ، فأصبت بالفلسفة بعيد الشر عنكم ، وأصبحت ضليعاً في الأدبيات، وزاوجت بين ما هو قابل للقياس وما هو غير قابل للقياس، وأعدت تعريف الزمن الذي ظلمني في البدء، وجعلته محسوساً إلى درجة إنك بتقدر تحط شوي منو في مرطبان . تتذكرو الساعة الرملية ؟ وجدت أن مقدار معين من الرمل يساوي مقدار معين من الزمن، مما يعني أن الوزن هو معادل الزمن الحسي، ولو استطعنا حساب كمية الرمال على هذه الأرض من خلال إحتساب مساحة الصحاري، سوف نخمن العمر الزمني للأرض، ويوم القيامة .

في الشهور التسعة الأخيرة، كان ملك الحسنات في إجازة، والذنوب اشتغلت، والملاك الشمال علشان جاب مساعدين وسكرتيرة، ودخل الكومبيوتر في تسجيل سيئات الشجع – أم الخطايا وأفعالها – وبصراحة عم بفكر أبيع للملاك شريحة الكترونية يزرعها فيني لتسهيل عملية رصد السيئات إلكترونيا، ومن ثم تجمعيها، ومن ثم إعادة تدويرها إلى حسنات بالإتفاق معه.

بس المشكلة أن الورم رغم نموه، إلا أن حجمه لم يضغط على مناطق ما زالت غبية .مثلاً، حتى هاي اللحظة مش عم بفهم ظهور داعش المفاجئ، وإيران الي صارت صديقة أمريكا، وتقارب وجهات النظر العربية مع إسرائيل لأنهم كلهم خايفين من نووية إيران الله يحرقها، والأخوان المسلمين المهابيل بغازلوا إيران بس بنفس الوقت طهران عم تعمل تغيير ديموغرافي وإبادة للسنة من خلال ميليشيات في مجملها هي النسخة الشيعية لداعش تقوم بشق طريق من إيران إلى بغداد دون عوائق سنية. وحماس، معزولة عن العالم بس مرة بتروح لإيران الشيعية ومرة للأخوان المتشرذمين في قطر. والحوثيين فجأة مسحو اليمن، وليبيا فايتة بالحيط ، وسوريا الي خلص شعبها والربيع العربي الأهبل .

لما أشوف نشرة الأخبار أعود إلى سنتي الكبيسة، وإلى أصابعي الـ 23 ، ومصنع “هينكين” الي جواي، أعود إلى خزانة سوء التفاهم وارتدي غباءً يليق بهذه المرحلة، وتقريراً طبياً بأني أحتاج إلى 10 أورام تدعس على راسي علشان افهم الي عم بصير .

ومع هيك، حياتي لساتها حلوة، والورم عم بيكبر وبربيه وبدير بالي عليه. بتعرفوا سماعات التليفون لما تكون مشّبكة وبتحاول تفكها وبتكرrهك حياتك وما بتزبط ؟ هيك كانت حياتي قبل الورم، مشبكة ومعقدة من بساطتها ، وهلا مع السرطان صارت حياتي Wireless . الدكتور آخر مرة حكالي أنو قدامي 3 شهور، بعد هيك رح أدخل في غيبوبة وأموت. بس لو عملت العملية رح تكون نسبة نجاح استئصال الورم 95 % . نسبة كبيرة بتخليني أعيش سنين وسنين إذا الله راد ، ومع هيك . مش موافق ، وما بدي أستئصلو .. الشهور الثلاثة الي قدامي رح أغير فيها أشياء كتيرة .. رح أفهم شو عم بصير حولي، مش علشان أحل مشاكل المنطقة لأنها علشان تنحل بدها يوم قيامة، أنا بس بدي أفهم، وبعدين انتو تفهموا، ونموت كلنا واحنا فاهمين ومبسوطين .

عموما مش فارقة ، أصلا أنا وجدت المعادل الحسي للزمن، وعبيت في المرطبان رمل كتير ممكن أعيش فيه. وكمان الساعة في ايدي لساتها خمسة وخمسة . يعني بتعطيني الساعة ساعتين، واليوم يومين، وهلم جرا

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى