سنة القيراط / يوسف غيشان

سنة القيراط

لما أرّخ الجبرتي لسنة 1209 للهجرة اكتفى بالقول: “لم يقع بها شئ من الحوادث الخارجية ،سوى جور الأمراء وتتابع مظالمهم”. بالتأكيد فإن حال سنة الجبرتي كانت افضل من حالنا –نحن العرب- في العام الفائت وما تلاه من عقود، وربما في هذا العام القادم أيضا وما يتلوه من عقود .
فلنترك السنة بحالها ..ولنتذكر حالنا التي جعلت هذه السنوات أسوأ….يقول المثل، ما معناه، أن الذي يحمل حجرا كبيرا خلال الشجار لا يضرب به. وقد خطر في بالي هلة شرفة العام الجديد هذا المثل وأنا أفكر بالشعارات الكبيرة التي نحملها ونثغو بها دوما وأبدا، ولم يعد يتعامل معها، في عصر التخصص ،سوى نحن العرب العاربة المستعربة المستغربة، وربما بعض الشعوب التي تمت لنا بصلة ما.
بالمناسبة ، هذه ظاهرة عامة يمارسها الجميع بتواطؤ واضح من الجميع ، ولا ينتقد أحد منا الآخر، في هذا المجال رغم أننا نقاتل في خنادق متعاكسة في معركة الحياة ، ورغم أننا نستخدم أكثر الأساليب بشاعة ولا أخلاقية ضد بعض ، ويخون كل واحد منا الأخر ، ويتهمه في وطنيته وانتمائه وشرفه العام والخاص.
الموالون منا لأنظمة الحكم ، مهما كان نوعها ، ومن أقصى اليمين الى أدنأ الشمال ،يخرجون دوما بتظاهرت تأييد صاخبة وانفعالية، وهم يصرخون: (بالروح والدم نفديك يا…..) ومكان النقاط هنا يقبع عادة اسم الزعيم العربي المناوب في تلك البلد.
المشترك الوحيد بين جميع الموالين بلا استثناء، هو أنك لن تجد أحدا منهم عندما يجد الجد، وتتطلب الأمور أن يفدوا الزعيم بأرواحهم ودمائهم ولا أن يأخذوا بثأر الشهيد المدافع عن قضيتهم ، حتى لو كان الشهيد أبا أو أخا أو ابنا.
ولا شك أننا نتذكر ما حصل في العراق أولا، عندما دخلت دبابة أمريكية واحدة الى وسط بغداد، دون أن تجد من يتصدى لها ويفدي رئيسه ونظامه ودولته ، وهذا ما تكرر في تونس وليبيا ومصر، رغم الصراخ الذي كانت لتهلج فيه الحناجر قبل ساعات من السقوط، وهذا ما سوف يتكرر في أي بلد عربي بكل بساطة .
أما المعارضون للأنظمة، فيرفعون شعارات كبرى، غالبا ما لا تتناسب مع طبيعىة المرحلة، ولا مع حاجات الجماهير ومطالبها اليومية ،وهذه حالة استمرت معنا منذ فترة مواجهة الهيمنة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أوسعنا الدول الإمبريالية شتما ، بينما أودت هي بالأبل، وحصلت على ما تريد وأكثر، وتركتنا نثغو بالشعارات مثل ، شعار: (الفراغ في رأس ايزهاور)، وشعار : (فليسقط وعد بلفور) وفيما بعد ، (فليسقط مشروع روجرز)..وغيرها من الشعارات التي تجرحت حناجرنا، ولم يسقط…سوى نحن!!
وهذه الحالة ..حالة الشعارات الكبرى ،نمارسها في السياسة والاقتصاد والعلاقات والحب وفي كل شيء…..لذلك نتعرقل بحجم شعاراتنا الكبير ولا نتمكن من العبور خلال بوابة هذا القرن الجديد.
نرفع شعار، من أجل بلد أخضر عام كذا، فيأتي العام، وإذا بالأراضي الصحراوية تزداد تصحرا ، لابل أن مساحتها تتوسع على حساب الأراضي الخضراء، لكننا لا ننسى أن نستمر في التفاخر بذات الشعار ، دون أن ننجز شيئا، لا بل دون ان نحافظ على المنجز السابق.
وهكذا نفعل في الخطط الثلاثية والخمسية والعشرية ، ونغرق في بحور من الأغاني المفرطة بالفخر ، وتنتهي الخطط، ونحن ما نزال نحمل حجارتنا الكبرى التي ننوء تحتها.
عام جديد…. هل نفكر في عقلنة شعاراتنا؟؟
هل نفكر أصلا؟؟
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى