سلام على امي
د بسام محمد ابوخضير
ليس لدي ما يليقُ بأمي…
امي ككلِ الامهاتِ ، مؤمنة بالله وكتبه ورسله وأسمائه التسعة والتسعين ، #امي متعبة ومثقلة بهموم الريف ، وبيوت الطين …
كانت امي في قريتنا كسائر #الامهات ، تضطلع بعظيم المهمات … مربيةٌ وطبيبة ومزارعة وربة بيت ، ليس في أيامها عُطلٌ ولا سبت، تُحَضِّرُ ٠الطعام، وتُحْضِر الماء على متنها بجود ، وتلد للوطن #الجنود ، ونحن على فعلها شهود …
امي كما تدرون ككل النساء ، مسجلةٌ بدوائرِ البناءِ والشقاءِ بآلاف الاسماء … مريم ويمنى وحبسه ومهره وصيته وفضه ونجمه وفزه وفاطمه وآمنه وتمام وثريا وزينب وازعيله وحسينه وصبحا و فضا وفضيه وخزنه وطرفه وتركية ورضوه وريا وعليا…… وكل الأسماء الأسمى .
امي لا تُحسن القراءة والكتابة ، لا تعرف الحرف من الحرف ، ولا قواعد اللغة ولا الصرف ، ولا تدري ما تكتبه الصحف….
لكنها تعرف ان المسجد الأقصى واقع في الأسر ، وتعرف اننا عن كثرة وأننا كزبد البحر……
مهمومةٌ امي بيومها الطويل ، وسعيدة امي بيومها الثقيل ، عملٌ يتلوه عملْ ، لا ضجرٌ ولا مللْ ، أيامُها مسلسل لا ينتهي الا بموت البطل… .
امي مزيجٌ رائعٌ بين البدواةِ والريفِ ، تمتد بين السنبلةِ والرغيفْ ، بين شعرةٍ على مِغزلٍ وبيتٍ على عَمَدْ ، على كتفها حزمةٌ من حطب ، وعلى صدرها الرضيع ، وتسبحُ اللّهَ ، أحد أحد.. …
كان يوم امي حافلاً بالمشقةِ والرضا ، يمتد من الليل الى الليل ، ومن السكون الى السكون ومن القطيفة الى الرخام ، وكانت عيون امي تنام ولا تنام .
هذه امي تمتدُ بين صغيرِنا وكبيرِنا ، حاضرِنا و غائبِنا ، مريضِنا وصحيحِنا ، مشغولةٌ بنا ، ومهمومةٌ بنا ، ومهمومةٌ لنا ومهمومةٌ عنا ، علمتنا القراءةَ والكتابةَ وهي لا تُجيدهما …… ، عجبت لمعلم أحسن التربية والتعليم وهو اميٌّ !!.
الف آه على أمي ، كم هي كبيرة وصابره ، وكانت بفضل الله على كل شيء قادرة….
أتسمعين إذا ناديتُ يا أمي … أيتها الراحلة عنا والساكنةُ في قلوبنا ومآقينا……
يتهادى طيفك بين مسامعي و احداقي ، وتثور في ذاكرتي ملامحُ طفولتي الشقية وفتوتي العنيدة ، وأنا اتشبث بثوبك الفاطمي يقودني في كل الطرقات ، يزجرني تارةً ويسترضيني مئات المرات ….
رحيلُك – يا حبيبتي – ايقظَ في داخلي طفولةً كنت اظن انني تجاوزتها ، وابكيك كطفل لم يبلغ الفطام واشم ثوبك الأسود وألبس اساور الفضة في معصمي وذلك أضعف الايمان …. اناديك وصدى صوتكِ يصدحُ في دنياي ، واراك حيثُ تقعُ عيناي…
تبدو اطيافُك من كل صوب ، اقتربُ منها ، أتلمسها، تتواثب من حولي ، فأدركُ انني ما عُدتُ أسمعُ تسابيحَك وابتهالاتِك ودعواتِك التي تبعثُ في نفسي الأملَ والسكينة….
وترحلين… ولدي كل اشيائك تحاصرني وتشعل لي دمى…
فهل من سبيلٍ الى السماءِ بدون امي ؟؟