زيارة المستشار الألماني لإسرائيل تكشف البعد الأخلاقي

بسم الله الرحمن الرحيم

#زيارة #المستشار_الألماني لإسرائيل تكشف #البعد_الأخلاقي

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2025، قام المستشار الألماني «فريدريش ميرتس» بزيارة رسمية إلى #إسرائيل، التقى الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء لمناقشة مسائل الأمن والسياسة الثنائية. هذه الزيارة لم تكن حدث بروتوكولي مُعتاد، بل تكشف عن تقاطعات سياسية وأخلاقية دقيقة تعكس دور ألمانيا في دعم إسرائيل سياسياً واستراتيجياً وعسكرياً، وما يترتب على ذلك من آثار آنية وغير آنية على المدنيين الفلسطينيين، الذين يشكّلون الطرف الأضعف في هذه الحرب غير المنتهية.

اعتراف بدور إسرائيل كأداة للقوة

قبل أشهر، صرّح «ميرتس» بأن إسرائيل تقوم بـ «العمل القذر نيابة عنّا»، وهو تصريح يوضّح طبيعة الدور المنوط بإسرائيل في السياسات الغربية، والذي يُقرّ بالسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والتي تشمل عمليات القتل بالجملة، وعنفا وقمعا يستهدفان المدنيين بدعم ضمني من ألمانيا وجلّ الدول الأوروبية والعالمية.

وفي اللقاء الذي جمع المستشار الألماني بالرئيس الإسرائيلي «إسحاق هرتزوغ» هذا الشهر، قال الرئيس الإسرائيلي لميرتس: «نحن نواجه إمبراطورية طهران الشريرة، وبالتالي فنحن نحمي أوروبا»، ولقد سبقه بنيامين نتنياهو بتصريح يحمل ذات القناعة، إبّان خطابه أمام الكنغرس الأمريكي: «نحن لا نحمي أنفسنا فقط، نحن نحميكم؛ أعداؤنا هم أعداؤكم؛ معركتنا هي معركتكم، وانتصارنا سيكون انتصاركم»، لتتضح الصورة بأن إسرائيل تعمل كامتداد أمني لأوروبا وأمريكا، فيما يتحمّل الفلسطينيون العبء الدموي للحرب الوحشية.

توسّع المستوطنات

يُقدّر عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية حوالي 737 ألفا، موزعين على حوالي 170 مستوطنة رئيسية ومئات البؤر الاستيطانية الصغيرة، فيما صادقت الحكومة الإسرائيلية يوم الأربعاء الموافق 10 من الشهر الجاري على بناء 764 وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية، ليصل عدد ما أقرّته حكومة بنيامين نتنياهو إلى 51،371 وحدة منذ نهاية عام 2022.

المفارقة الأخلاقية والدور العسكري الألماني

لقاء ميرتس مع نتنياهو يمثّل تأييداً ضمنياً وغطاءً لهذه الجرائم، ويشكّل جرحاً أخلاقياً كبيراً بحق الحكومة الألمانية والمبادئ التي تدعو إليها، حيث أن الدعم السياسي لرئيس وزراء دولة متهم بارتكاب جرائم حرب وصادر بحقّه مذكّرة اعتقال يُعتبر انتهاكاً للقيم الإنسانية بحد ذاتها قبل القانونية.

هذه المحادثات الثنائية تعكس واقعا عملياً، حيث أن ألمانيا تدعم شريكاً يمتلك القوة العسكرية والسياسية، في حين يخضع الفلسطينيون لقيود مستمرّة، وتتعرّض حياتهم وأمنهم للتهديد الدائم، فيما تحافظ إسرائيل على القدرة على توسيع مستوطناتها وفرض سياسات مناهضة لإقامة دولة فلسطينية مستقلّة.

من جهة أخرى، صادقت ألمانيا على تصدير أسلحة ومعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 485 مليون يورو، في الفترة من أكتوبر 2023 حتى مايو/أيّار 2025، ما يعكس استمرار الدعم العسكري الألماني الكامل لإسرائيل طوال الحرب.

يتجاوز الجانب السياسي البحت دور ألمانيا ليصل إلى البُعد العسكري والأمني، إذ قامت ألمانيا أيضاً بشراء منظومات دفاعية من إسرائيل ودول أوروبية أخرى سبق أن استُخدمت عملياً ضد المدنيين الفلسطينيين في غزّة.

الواقع الدولي

هذه العلاقة تُسلّط الضوء على التناقضات العميقة في السياسة الدولية، حيث تدعم ألمانيا شريكاً استراتيجياً من الناحية الأمنية، لكنها تصبح في الوقت نفسه شريكاً ضمنياً في حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فاستخدام إسرائيل كأداة دفاعية لأوروبا – حسب تصريحات الطرفين – يعكس كيف يمكن للقوة السياسية والمادية إعادة تعريف الحقيقة والمعايير الأخلاقية حسب مصلحة آلة القمع العسكرية، بحيث تتحوّل الأغراض الاستراتيجية إلى غطاء لتجاوز المبادئ الإنسانية.

اللقاء الرسمي يُقدم مثالاً حياً على صعوبة الالتزام بالمعايير الأخلاقية الدولية في ظل التشابك بين استمرارية الاحتلال والأطماع الاستعمارية والاعتبارات الأمنية والسياسية، وتوضّح كيف يتم استخدام القوة لإعادة إنتاج الهيمنة على الرواية الأخلاقية والسياسية، بينما يبقى الفلسطينيون الطرف المستنزف والمُضطهد على إرضه.

نهاية الكلام

كل تصريحات فريدريش ميرتس وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، تظهر بوضوح أن ألمانيا تدعم شريكاً يقوم بتنفيذ سياسات عسكرية وأمنية ضد الفلسطينيين، من احتلال، هو الأطول في العصر الحديث، مروراً بالتهجير الطوعي والقسري في الضفة الغربية والقطاع، فضلا عن حرب غزّة الدموية، وانتهاءً بعمليات النسف خارج الخط الأصفر لبناء «المنطقة الخضراء» وعزل الغزّيين في الخيام، وتركهم يُعانون القتل بالصواريخ والجوع والعطش والبرد القارس، حتى يُصار إلى واقع يجعل القضية والدولة الفلسطينية محصورة في رقعة مترامية الأطراف، مكونة من كنتونات غير مرتبطة جغرافيا، يُستحال إقامة دولة عليها.

تصريحات «إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنّا»، و«نحن نحمي أوروبا»، و «نحن نحميكم» بالإضافة إلى اللقاء مع نتنياهو، تؤكّد أن إسرائيل تعمل كأداة للقوة الأوروبية-الأمريكية، بينما يتحمّل الفلسطينيون التبعات الدموية والمأساوية للاحتلال الإسرائيلي والتحالفات الإسرائيلية-الغربية.

هذا اللقاء كشف عن مفارقة أخلاقية وسياسية وإنسانية صارخة، أقل ما توصف بـ «النفاق القذر»، إذ أن الدعم الاستراتيجي لألمانيا يتحوّل إلى مسؤولية عن نتائج ملموسة على المدنيين والحق الفلسطيني، ويطرح تساؤلات حول حدود الأخلاق في السياسة الدولية، وقدرة الدول الكبرى على الموازنة بين مصالحها وحماية حقوق الإنسان في فلسطين.

Ahmad.omari11@yahoo.de

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى