كبيرة يا عودة ! / م . عبدالكريم ابو زنيمه

كبيرة يا عودة !
في أيام الزمن الجميل قبل ظهور الفضائيات وأجهزة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعية الحديثة كانت المضافات مدارس للأخلاق بالإضافة لفسحة من الترويح عن النفس من خلال التعاليل (السهرات) التي لا تخلو من المرح والمواقف الطريفة،وكان من أبطال تلك التعاليل الشيخ عودة (شيخ الكذب) ذو الخيال الواسع والبطولات الخرافية ورفيقه مرزوق الذي كان يبصم له على كل ما يقوله.
في تعليلة إحدى الليالي وبعد أن أجلسوا الشيخ عودة في صدر المجلس يقابله صديقه ورفيقه مرزوق ،وبعد أن صبوا له القهوة ،أنصت الجميع للاستماع إلى الشيخ عودة بعد أن طلب منه ( المعزب ) أن يروي للحاضرين إحدى بطولاته قائلاً له ” والله يا شيخ عودة كل هالربع حابين يسمعوا منك” ورد الشيخ عودة بعد أن عّدل جلسته وتنحنح قائلاً “تكرم ها الوجوه الغانمة… والله يا الربع السواليف اللي صارت معاي يا ما أكثرها… بس قبل شهر وأنا ومعاي العينتين اللي قبالي (يقصد مرزوق )اطارد نمر بوادي النمور ضاع مني أثره عند غدير الماء،ولما شفنا آلميه بالغدير رميت بارودتي وشلحت اواعيّ ودبيت بالمي أسبح…وأنا أسبح بالمي على ظهري ولا صوت خروف بالسماء…لديت زين شفت نسر حامل خروف وطاير بيه… سحبت بارودتي من كتفي وقلت لمرزوق الله جابها اليوم رايحين نشبع شوايا ! وهنا تنبه مرزوق من نسيان الشيخ عودة بأنه بالماء يسبح على ظهره وكيف تكون بارودته على كتفه ! وأراد ان يلفت نظره لهذه الغلطة ويشير له بأن كذبته كبيره بإشارة من يديه ! لكن الشيخ عوده فهم العكس وأردف قائلاً… وإنا أصوب بارودتي لديت (نظرت) زين وإلا انه كبش وقرونه هالطول … وهنا انفجر الجميع من الضحك ولم يتمالك مرزوق نفسه من الغضب قائلاً للشيخ عوده ” يا عودة كنت أبصم لك لما كنت تكذب عالارض… بس انك تكذب بالسماء والله كبيرة وما أقدر ابلعها يا عودة…خليك بالأرض يا عودة ! ”
تذكرت عوده وأنا أطالع بطولات وإنجازات الكثير من المسؤولين ،فطوال حياتي لم أقرأ بأن مسؤولا واحداً اخطأ او اخفق في أداء مهامه وواجباته مع أن البني آدم خطّاء ،وكل منهم يدعي بأنه وجد الأمور عند استلامه لمنصبه سائبة في هذه الدائرة ، وأنه استطاع بفهلوته وقدراته الخارقة إنقاذها من عنق الزجاجة ومن الضياع ووضعها على الطريق الصحيح وخلق منها رقماً صعباً في المنافسة والإبداع !
وهنا يتبادر للذهن سؤال : إذا كان الشيخ عوده وربعه الشيوخ الآخرين صادقين فيما ذكروا من إنجازاتهم فلماذا تترنح مؤسساتنا في كافة المجالات ؟!!!
في حقيقة الأمر أن معظمهم مستنسخين من الشيخ عوده أبو باروده ،عندما يكونوا في موقع المسؤولية فإنهم يعملون لتحقيق ذاتهم ومصالحهم وامتلاء جيوبهم ، هم لا يعملون إلا أمام عدسات الإعلام ومتيقنين جيداً بان أحدأ لن يتتبع تصريحاتهم وتواقيعهم واتفاقياتهم وسفراتهم وتزيفهم وخداعهم ،فأمام الإعلام هم أصحاب الفكر والرؤى والأمانة والنزاهة والإبداع وتحقيق المعجزات،وما إن تنفض تعليلية الإعلام والتصريحات والإنجازات الخرافية حتى يعود عوده للاستلقاء على ظهره وقنص ما تطاله يداه لمصلحته الخاصة .
لذلك كله أتمنى ويتمنى الشعب الأردني ولو لمرة واحدة وبعد أن أصبحت جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز معياراً لتقييم أداء الأفراد ومؤسسات الدولة الأردنية أن يسأل الشيخ عودة هذا السؤال :لقد كان ترتيب دائرتك مثلاً 17 عند استلامك لمنصبك…فلماذا أصبح ترتيبها 38عند تركك المنصب ؟!!! ويتم مواجهته بتصريحاته وتقاريره وطلاته البهية التي كان يتحفنا بها ببطولاته الدونكشوتيه…
لقد تزوج الشيخ عوده وأنجب الكثير الكثير من الذرية الصالحة الذين يمسكون بمعظم مفاصل الدولة ،وكذلك تزوج مرزوق وأصبحت عشيرته من أكبر العشائر وهم متمسكون بالعادات والتقاليد وخاصة الدحية (السحجة الاردنية) ! فهم لا زالوا يبصمون ويصفقون لأبناء وورثة الشيخ عودة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى