زمن الزُعران ! / م . عبدالكريم ابو زنيمة

زمن الزُعران !
في بدايةِ الثمانينات من القرنِ الماضي أولمت احدى الشخصيات الاردنية المعروفة بسلاطة لسانها وسرعة بديهتها وليمة عشاء لشخصية سياسية معروفة كانت وسائل الاعلام تتداول في وقتها بانها ستشكل حكومة جديدة في ذلك الوقت ، وقد حضر وليمة العشاء جمع من الشخصيات السياسية والفكرية والاعلامية والوجهاء طال سهرهم الى وقت متأخر من الليل في أجواء من المرح والسرور ، وبعد ان غادر الجميع جلس هو وزوجته متيقناً بانه سيكون في التشكيلة الوزارية الجديدة .
في ظهيرةِ اليوم التالي صدرت الارادة الملكية بالموافقة على التشكيلة الحكومية الجديدة التي ترأستها ذات الشخصية ومن ضمنها أربع حقائب من نفس المدينة ممن حضروا العشاء ولم يَكن اسمه منهم ! فكر ملياً كيف له أن ينتقم منه ومنهم ” الانتقام المحبب ” وبداخله يقيناً بأنهم تآمروا عليه ! ثم خط بيده برقية التهنئة التي جاء فيها بما مضمونه ” دولة الرئيس أهنئكم على الثقة الملكية برئاسة الحكومة الجديدة كما وأعبر لكم عن خالص شكري وتقديري لتخليص المدينة من هؤلاء الزعران الذين يتلصصون من على أسطح منازلهم على كل نساء المدينة وصباياها راجياً ضبط دوامهم الى ما بعد صلاة العشاء لاتاحة الفرصة لعائلاتنا الجلوس على الاسطح براحة بال…والسلام” وصلت البرقية لدولته ورد عليها بما مضمونه ” بعد التحية…اشكركم على التهنئة مُعلماً إياكم بان حصة مدينتكم كانت حقيبتين-وإكراماً لك رفعتها لاربعة ممن إستقبلوني عندكم كوجهاءٍ لكم وكأصحابِ بيت وليسوا كزعران…والسلام .. والقصة والسجال جميل وطويل بينهم لا مكان لسردهِ .
في ذلك الماضي ، إبان أيام العِزة والكبرياء التي لم تَعُد موجودة اليوم ، كانت شخصية الوزير شخصيةً مُتزنة ، وقورة ذات حضورٍ مَهيب ، كانَ الوزير من أعلام المُجتمع المُحترم المرموق ، ممن يأخذون على عاتقهم مهمة الحِفاظ على هذا الشعب وهذا الوطن ، و مهمة حِفظ كرامة وعزة الأُردن والأُردنيين ، كانَ إنتمائهم للأُردن روحياً ، جُغرافياً ووجدانياً ، إذ كانوا يعرفون هذا الوطن كما يعرفون قُراهم ومُدنهم ، بجغرافيتهِ ، بشعبهِ وبنسيجهِ المُجتمعي ، كانَ الوزير رمزاً وطنياً صادقاً ، يُحب الوطن ويحمل همه ، بعيداً عن الشعارات الجوفاء ، والخُطب الرنانة ، والإستعراضات على السجاد الأحمر على صوتِ جوقة الصراصير ورقص الفئران المُرافقة لطحين الذُل والهوان .
كنا أعزاء عندما كنا شعب مُنتج نزرع ونحصد حقول زرعنا ونأكل رغيف خبزنا بعرق جبيننا ، كنا مجتمعاً متحاباً عندما كان وجهائنا وشيوخنا يزدانون بعباءاتهم التي كانت ذات قيمة إجتماعية وأخلاقية وسلوكية ومعنوية ولا يلبسها الا من كان أهلٌ لها ، كُنا أعزاء عندما كان لنا زعماء في كل قرية وناحية قبل أن يُستبدلوا اليومَ بوجوهٍ مُزيفة دُثرت بعباءاتٍ مُستأجرة ليؤدوا مهام التطبيل والتزمير لكل القرارات والأفعال المُشينة التي تنتهك كرامة وعِزة هذا الشعب .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى