منذ بداية هذا الشهر الفضيل ، يظهر أن قوى الشرّ قد تكالبت علينا لينغصوا علينا فرحتنا بخير الشهور رمضان ، بقصد كان هذا أو بغير قصد ، علمًا بأنني لا أؤمن بالصدف كثيرًا .
مع بداية الشهر فُجعنا بجريمة شنيعة بحقّ رجال المخابرات العامة في عين الباشا ، فبدأ الشهر بما لا نريد وعكّر البعض فرحتنا به ، وبعدها بأيّام قام مأفون بتفجير سيارته على حدودنا الشمالية أودى بأرواح شهدائنا الأبطال من حرس الحدود وجيشنا العربي فازداد رمضان كآبة هذا العام .
أمّا القنوات الفضائية فتنشر السخيف والرديء من المسلسلات لتلهينا عن شهر العبادة ، وتختار أفضل أوقات النهار والليل لتجعل الشخص يتسمّر أمام شاشات التلفاز بلا حراك لينسى عبادته .
أمّا ما يحدث في الشارع فحدّث ولا حرج ، ففي كلّ ساعة من نهار رمضان هناك عراك أو بلهجتنا ( طوشة ) تحدث بشكل غير معقول ، وانفعال غير مبرّر من قبل الناس على بعضهم البعض بحجّة الصيام ، فيقول لك الرجل منهم بسخط وغضب وعنجهية : ” حلّ عني أنا صايم ” !! وهل الصيام مدعاة للغضب والانحطاط الخلقي ؟!! حتّى أنّني شككت بصحة الحديث الشريف الذي يقول : ” إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلّقت أبواب النار ، وصفّدت الشياطين ” صدق رسول الله ، فبحثت عنه في كتب الحديث فوجدته حديثا صحيحا حسنا ، فتذكرت هوى النفس وقوله تعالى : ” إن ّ النفس لأماّرة بالسوء ” وعرفت أنّ مجتمعنا للأسف لم يُرَبّ التربية الصحيحة بالغالبية ، إلا من رحم الله ، وكلّ ما يحدث في شوارعنا هو نتاج هذه التربية السيئة التي ابتعدت عن الدين القويم ، وبسبب الإعلام الذي يهدم ما بقي من القيم ، الإعلام الذي جعل الناس تسهر طوال الليل وتنام طوال النهار ، فلا معنى لرمضان عنده ، فرمضان عند فئة كبيرة من الشعب بات ، طعاما وشرابًا وجلسات في المقاهي ، وتدخينا للشيشة والأرجيلة ، ومعازف وغناء ورقصًا شرقيا في خيمة كذبوا ان قالوا عنها رمضانية ، وسهرًا حتى الصباح .
وممًا رأيت بأم عيني والله على ما أقول شهيد ، أنّ البعض تقاتل في صلاة التراويح في داخل أحد المساجد وأخذوا يشتمون بعضهم بألفاظ نابية قذرة في بيت الله بسبب الأطفال الذين يلعبون في المسجد في وقت الصلاة ( الأولاد الذين أرسلتهم أمهاتهم ليتفرّجن بأريحية على المسلسلات وباب الحارة بدون إزعاج ) ، هم الأطفال أنفسهم الذين يدورون في الحارات والشوارع طوال الليل يلقون بالمفرقعات مزعجين بها من يريد الراحة أو التعبد في الليل ….. هذه المفرقعات الممنوعة قانونًا ، ولكنّي أنزل إلى السوق فأجدها في كل مكان !! يا رجال الشرطة انزلوا إلى وسط البلد في سقف السيل وشارع الملك طلال وخلف المسجد الحسيني ووراء سوق السكر والبخارية ، وانظروا للباعة ، لقد مللنا من سماع أصوات الانفجارات في كل مكان ، والله مللنا ، حتى أنّي كنت أتكلم مع أحد الحلاقين فقال لي : أريد أن أشتري بسطة ( فتيش أو فقيع ) مفرقعات يعني لأبيعها أمام المحل ، فقلت له : ولماذا ؟ فقال لي : إنها تربح ثلاثة أضعافها على أقلّ تقدير !!!! والكلّ يبيعها
أما الموضة الجديدة القديمة فهي المسحراتي ، فأصبحنا لا ننام ليلا ولا نهارا بسبب المفرقعات والمسحراتي الذي يأتي قبل ساعتين بطبلته المزعجة ويلتف حوله أولاد الحارة مغنين وصائحين بأصوات مزعجة ، قد يخالفني بعضكم ولكن أعتقد أن الجميع لديه من المنبهات والساعات والهواتف ما يوقظه للسحور هذا إن نام أصلا في ظل هذه الأوضاع ، بل إن سنة النبي تكون في تأخير السحور لا أن يأتي المسحراتي في الساعة الثانية ليلا ! في مدينة وليس في قرية !
وممّا أذهلني أيضًا أن الذي يذهب إلى أي منطقة صناعية أو حرفية لا يجد رمضان هنالك ، ويظن أنه ذهب إلى الصين أو البرازيل أو حيث لا يصوم أحد ، وإن لم أخطىء ، فإنّ 90% من الحرفيين من ميكانيكيين وكهربائيين ودهاني السيارات ومعلمي تجليس السيارات لا يصومون ، وبإمكانك أن تدخل أي بقالة أو سوبر ماركت في المناطق الصناعية لترى ماذا يشتري هؤلاء في النهار ، من سجائر ودخان ورائحتهم تفوح بها ، إلى سنيورة ولبن وعلب السردين والتونة ، فلا يحتاج الأمر إلى ذكاء لتعرف أنه مفطر ، بل ادخل على محلاتهم بغتة وسترى ماذا يفعلون بأم عينك ، ولا أعرف أين الشرطة عن أمثال هؤلاء ؟!!
وزاد الطين بلّة محاولات الانتحار التي أصبحت ثقافة يلجأ إليها كلّ ضعيف إيمان هذه الأيام ، فما إن يواجه أي مشكلة قد لا يجد لها حلا في منظوره ، حتّى يتجه إلى جسر عبدون للانتحار أو عمارة وزراة الإعلام بقرب دوار الداخلية !!!
وهكذا اتفق الكثير علينا في هذا الرمضان ، وأكاد أجزم أنّ هذا الرمضان كان أسوأ رمضان مرّ عليّ وعلى الأردنيين في حياتي وحياتهم ، فلقد شعرت فيه حقّا بتهدّم القيم الإنسانية والدينية ، وضعف مؤسساتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية ، فرمضان ليس شهر الرقص والأكل والقتل والانفجارات والمشاحنات ، لم يكن رمضان في يوم ما كرمضان هذه الأيام ، فيا رب حسّن أحوالنا .