سواليف
ليست زنزانة الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، إلا عبارة عن أربعة أمتار مربَّعة تُعد الأكثر قدسيةً في جنوب إفريقيا، وأثار مزاد علني عرض إمكانية النوم فيها غضباً وجدلاً في البلد الإفريقي، بسبب التكلفة العالية التي بدت وكأنها استغلال لرمزية أبرز سياسيي القارة السمراء. وفي تقرير لها، أشارت صحيفة Financial Times البريطانية، السبت 7 يوليو/تموز 2018 إلى أن زنزانة مانديلا الضيقة والمُضاءة بنور مصباحٍ واحد، موجودة على جزيرة روبن بمدينة كيب تاون، حيث قضى مانديلا 18 عاماً كانت الأحلَك خلال نحو ثلاثين عاماً كان فيها سجيناً لدولة الفصل العنصري آنذاك. وحتى هذا الأسبوع، كان قضاء ليلةٍ في هذه الزنزانة معروضاً للبيع بأعلى سعر، وبدأت المزايدة بمبلغ 250 ألف دولار، في خطوةٍ مُخفِقة استهدفت بها جمعيةٌ خيرية مديري الشركات وقد أثارت حنق البعض كونها تدنِّس ذكرى أكثر مواطني البلاد تبجيلاً.
الغضب أجّل الحدث
وفي يوم الخميس الفائت 5 يوليو/تموز، تقدَّم منظمو حدث «المبيت حيث كان إرث نيلسون مانديلا – نسخة جزيرة روبن» بـ»اعتذارٍ خالص» لترويجهم «فُرصة تأتي مرةً في العمر» للنوم في الزنزانة خلال هذا الشهر، الذي يُخلِّد مرور مئة عامٍ على ميلاد مانديلا، الذي مات عام 2013.
نيلسون مانديلا داخل زنزانته على جزيرة روبن بمدينة كيب تاون
وتسبب الغضب بتأجيل الحدث، وفقاً لما قالته مبادرة «مبيت» كبار تنفيذيي الشركات، وهي مجموعة خيرية تقول إنَّها قد جمعت 38 مليون راند (ما يقابل 2.1 مليون دولار) منذ عام 2015 لصالح جمعياتٍ خيرية تعنَى بالمشرَّدين، وذلك من تنظيمها مناسباتٍ ينام فيها مديرون تنفيذيون لشركاتٍ في ظروفٍ صعبة لليلةٍ شتوية واحدة في جنوب إفريقيا.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الضجَّة التي سبَّبها الحدث أثارت جدلاً حول قضية انعدام المراعاة من جانب الشركات لتاريخ الصراع في مواجهة حُكم الأقلية بيضاء البشرة في البلاد، وكيف تتذكَّر جنوب إفريقيا أبطالها الآن في دولة ما بعد الفصل العنصري، بعد مرور 28 عاماً على إطلاق سراح مانديلا.
وقال فيكتور دلاميني، وهو مستشار تواصلٍ ومصوِّر مقيم بمدينة جوهانسبرغ: «إنَّ هذا استغلالٌ لذكراه.. ويُولِّد حساً يستخف بما تمثله جزيرة روبن».
وأضاف: «لن أمانِع إذا أُقيم حدث المبيت هذا في ملعبٍ لرياضة الرغبي أو الكريكت. ما أجده مثيراً للجدل هو أنَّه بين كل الأماكن التي وثَّقت معاناتنا، لا يوجد رمزٌ للحرمان والقهر الذي تعرَّضنا له أقوى من جزيرة روبن».
وليست هذه المرة الأولى التي شُوِّه فيها إرث مانديلا التاريخي، فقد حدث هذا سابقاً في نزاعاتٍ جرت بين أفراد عائلته، ومرَّةً أخرى عندما أعلن النائب العام أنَّ ملايين الراندات قد «حُوِّلَت على نحوٍ غير قويم» خلال جنازته المقامة عام 2013.
جزيرة روبن بمدينة كيب تاون حيث عاش مانديلا
رمزٌ للعنصرية
وتحمَّل مانديلا، برفقة مقاتلي الحرية الآخرين المسجونين على جزيرة روبن، إذلالاً من قبل الحرَّاس، وأعمالاً شاقة في محجرٍ للأحجار الجيرية، وجدران زنزانته التي وصفها بـ»الرطبة دوماً». والآن أصبح السجن، الذي حُوِّل متحفاً ومُرشدوه التاريخيون هُم نزلاء سابقون به، رمزاً لوحشية دولة الفصل العنصري. وقالت مبادرة «المبيت» إنَّه قد كان من المقرَّر للمال المتبرَّع به للمزاد أن يُمنَح لجمعيةٍ خيرية تعنَى بإعادة دمج السجناء في المجتمع، مضيفةً أن ممثِّلي جزيرة روبن قد وافقوا على إقامة المزاد في اجتماعٍ عُقِد معهم خلال العالم الجاري 2018، وكذلك وافقوا على استخدام المتبرِّعين الأثرياء زنزاناتٍ أخرى وساحة السجن مُشدَّدة الحراسة حيث كان مانديلا وغيره من السجناء السياسيين يدقُّون الحجارة. ومع ذلك، قال متحدثٌ باسم جزيرة روبن هذا الأسبوع إنَّ المزاد «مستحيل الحدوث. إنَّ تراثنا ليس وسيلةَ ترغيبٍ لناسٍ لا همَّ لهم سوى مصالحهم المادية الخاصة». وقد تضمَّنت فعاليات إحياء الذكرى المئوية لميلاد مانديلا يوم 18 يوليو/تموز أن يطبع البنك المركزي الجنوب إفريقي سلسلةً خاصة من العملات النقدية التي تحمل صورته بالفعل. كذلك سيلقي باراك أوباما، الرئيس الأميركي الأسبق، خطاباً في المؤسسة التي تعمل على الحفاظ على إرث مانديلا في يوم الذكرى المئوية لميلاده. وما أثار الدهشة أيضاً من مبادرة مبيت أنها تُعرِّض قياديي الأعمال في البلاد لتجربة صعوباتٍ لا مهرب منها بالنسبة لعديدٍ من المواطنين، في دولةٍ تعاني من واحدةٍ من أعلى نسب عدم المساواة في العالم، وحيث يبقى انتشار الفقر مركَّزاً بين الأغلبية سوداء البشرة. وعلى الرغم مما أثارته من ضجة، وستمضي المجموعة قُدُماً في تنظيم مبيتٍ آخر الأسبوع المقبل في مزرعة ليليزليف قرب مدينة جوهانسبرغ حيث اعتُقِل مانديلا ونشطاء آخرون من الكونغرس الوطني الإفريقي في مداهمةٍ للشرطة عام 1963.