ذكريات عمّانيّة ( 2 )

#ذكريات_عمّانيّة ( 2 ) / #أحمد_المثاني

.. في زمن ما ، لعلّه في السبعينيات من القرن الماضي ، كانت
عمان حلماً لواحد مثلي ..يسكن في مدينة صغيرة ، المفرق
تلك البلدة التي كانت أشبه بقرية ..و كانت عمان بعيدة و الرحلة إليها شاقّة ..! فمروراً ببلدة الخالديّة جنوباً ثمّ إلى مدينة الزرقاء ..فالرصيفة ..إلى ماركا ..
كنت أول مرّة أدخل عمان ..حينما اصطحب أب ابنه في
بداية السبعينيات إلى طبيب العيون .. من بعد أن كاشف والده أنه يعاني من رؤية درس القراءة و المطالعة ..فكان
لا بدّ من فحص النظر و تفصيل نظارة مناسبة لطول النظر
الذي شخّصه الطبيب عز الدين شاور ، رحمه الله ، و النظارة من اوبتوكس شامي ..
..أنذاك رأيت في عمان سيلاً تجري فيه المياه و الوقت
صيف ! إذ وقتها كان سيل عمان يتهادى مكشوفا .. و الماء
يتلوى بين بعض الحجارة .. و من حوله شمخت بعض الأشجار. ..
في تلك الأيام .. لربما حينما تكشف سر هذه المدينة ، ستجد أن عمان كانت أشبه ببلدة كبيرة ، تجمّع فيها القادمون
من أريافهم و قراهم ..و شكلوا مدينة من مجموعة قرى !
إذ كان القادمون يتجمعون في حي واحد ..تجمعهم القربى و العادات .. فعرفت الأحياء بأسماء مدنهم التي قدموا منها ..
كذلك كانت عمان وجهة للهجرات و المهاجرين ..المتعاقبة
و أظن أن إخواننا الشركس و الشيشان كانوا من أوائل من
سكنها قادمين من القفقاس نجاة بدينهم و أرواحهم .. و كذلك ، كانت عمان داراً للاجئين و النازحين من فلسطين
و من بعد ، شهدت هجرات الإخوة العرب ..
من لبنان .. و من العراق و من سورية و اليمن الخ
لذلك نجد عمان قد شكّلت تنوّعاً بشريا ..بين ابن البادية
و الريف و المخيم ..
كنت حينما أسير في شوارع عمان و أنا أقرأ بعين الإعجاب
و الدهشة ، فأرى وجوها بسحنات مختلفة .. الأسمر و الأشقر
الحنطي ..و أسمع لهجات تتداخل و من ثمّ تشكّل لغة عمّانية
يتفاهم بها الجميع ..
لم يكن في عمان ، آنذاك ، و الحديث عن السبعينيات .. الكثير من وسائل الترفيه ..كانت الرياضة و مدينة الحسين و أنديتها ..تستقطب هواة كرة القدم و السباحة ..و كانت دور
السينما تحظى بشهرتها ..سينما رغدان و سينما بسمان و سينما الحمراء .. و لا أنسى سينما البتراء في سوق السكر
و التي كانت تذكرتها لا تزيد عن بريزة ..10 قروش ..و هي
تقدم عرضاً مستمراً .. و قصتي مع السينما أنني جئت عمان
و كنت محرّماً على نفسي دخولها ..لكن أصحابي أقنعوني بحضور فيلم ..الرصاصة لا تزال في جيبي ..و أذكر من بطولة
محمود ياسين ..و قد حدث أن اشترينا التذاكر من سينما بسمان .. و لما حان أذان المغرب. ذهبنا للصلاة في المسجد الحسيني و معنا التذاكر ..
و لما قضيت الصلاة .. و أردنا أن نلحق بالفيلم ..كان أحد أصدقائنا قد فقد حذاءه ..!! و هنا تحت الإلحاح و مخافة
فوات الفيلم ..لبس زميلنا ما وجد و تيسّر من شبشب !
و استطعنا أن نشاهد الفيلم ..فكان هذا بداية الخروج على
الالتزام ..في مجال السينما !! و بالمقارنة نرى اليوم دور السينما قد تراجع دورها .. و أقفلت و لم يتبقّ إلا ما يعرض
في بعض الصالات و المولات ..!!

  من ذكرياتي في عمان ، ذلك الطالب الذي يدرس في الجامعة الأردنية .. و قد أقام مدة لا تزيد عن شهر في صويلح ..هو وصحبه ! لكن البرد الشديد المعهود هناك

دفع بنا للهجرة نحو الجنوب ..للعاصمة .. فسكنا في جبل
النصر ..و كان ذلك يقتضينا أن نتنقل بسيارات السرفيس
إلى وسط المدينة لنلحق بباص الجامعة الذي كان منطلقه
من ” سبيل الحوريات ” جوار سوق الخضرة .. كانت المواصلات و بخاصة في الحافلات .. و عند الرجوع مساء
مسلاة لي .. و أنا أتأمل العائدين إلى بيوتهم في ختام نهارهم .. عمال .. و طلبة ..رجال و نساء ..كان باص مؤسسة النقل المرسيدس الأحمر .. أشبه بسفينة نوح مصغرة !!!
من مختلف الوجوه و اللهجات .. أناس متعبون .. يكادون يغفون ، رغم قصر المسافة و شباب راحوا يتمازحون ..
و امهات يحتضنّ أطفالاً ..أحاديث عن أسعار الخضرة
و عن الزواج .. اختلاطات جميلة .. و أضواء المدينة تتراقص في الأماسي الشتائية .. و الطالب العائد من جامعته .. يقصد
غرفة استأجرها و رفيقاه في جبل النصر… سلوته فيها جهاز تسجيل .. اشتراه له والده .. و أشرطة الكاسيت يتصدرها
محمد عبده .. و فريد الأطرش و عبد الوهاب ..إذ كان الطرب وقتها ..قد استأثر به احمد عدويّة .. و حنكش !!! و كنت
أحب الرصانة في الطرب !

يتبع..

مقالات ذات صلة
                      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى