د. البراري يكتب..أحجيات السياسة والسلطوية المستدامة في الأردن

#أحجيات #السياسة والسلطوية المستدامة في #الأردن

كتب …د. حسن البراري

أحب الاستماع لرئيس مجلس الأعيان السيد فيصل الفايز عندما يتحدث لأنه يقول ما يفكر به رأس الدولة من دون مواربة. ويعكس كلام الفايز أيضا رأيا سائدا لدى النخبة الحاكمة مفاده أن القلق هو اقتصادي وليس سياسيا، فالناس معنيون بأوضاعهم المعيشية وليس السياسية. لذلك ترى هذه الطبقة أن الاصلاح السياسي ما هو إلا ترف ولا يجب أن يتجاوز حدود معينة والتركيز بدلا من ذلك على الملف الاقتصادي.

تخفق هذه الطبقة وبشكل مثير للدهشة في فهم أن سبب الضنك الاقتصادي ليس قلة الموارد وانما سوء الإدارة والفساد وتغييب المواطن عن المشاركة في صناعة القرار، وهي طبقة لا تفهم أو لا تريد أن تفهم بأن الحل هو سياسي بالدرجة الأولى. وعندما يتحثون بالحلول السياسية – حتى لا يفوتهم قطار التنظير السياسي أيضا – لا يمكن لهم تجاوز فكرة اعادة انتاج الوضع السياسي القائم والمسؤول عن الضنك! هل علي أن اضحك هنا!!

تغييب المواطنين وتركز السلطة بيد الملك وحده – وهو تركز سيزداد مع التعديلات الدستورية المجحفة والظالمة – يضعف الملك في التعامل مع التحديات الخارجية، فقدرة الأطراف الخارجية في الضغط على الملك ستكون أكبر عندما يكون الملك أقوى في الداخل، وهذه معادلة سياسية كتب عنها روبرت بوتنام في مقال شهير له في عام 1992. فكلما زادت القيود السياسية على رأس الدولة كلما قلت خياراته الداخلية وكلما زادت قوته في التعامل مع العالم الخارجي، والعكس صحيح. بمعنى أن رأس الدولة يستطيع التذرع بالقيود السياسية الداخلية للإفلات من الضغوطات الخارجية.

صحيفة القدس العربي ذكرت اليوم بأن ذهاب الحكومة الأردنية إلى الإمارات لتوقيع اتفاق مذل مع إسرائيل جاء نتيجة اتصال الأمريكان مع الحكومة قائلين أن جون كيري بالطائرة وعليكم التوجه إلى الإمارات لأن مهمة كيري هي جزء من مهمة بايدن المناخية، وهذا ما حصل. فالحكومة أخذت على حين غرة بعد أن تلكأت في البداية نتيجة تحفظات سعودية على المشروع برمته. سيقولون لنا أن مصلحة الأردن في الاتفاق، ورأيي هو أن مصلحة الأردن في الابتعاد عن علاقة التبعية مع إسرائيل وهي علاقة آخذه في الترسخ والارتهان.

سؤالي للأستاذ فيصل الفايز هو لو كانت الحكومة منتخبة وبرلمانية وتمثيلية ولو كان الشعب هو مصدر السلطات هل كان بامكان الأمريكان وضعنا في الجيب بهذه الطريقة؟! أسجل هنا اختلافي ليس فقط مع الاستاذ فيصل الفايز فقط وإنما مع الطبقة السياسية التي تُنظر من دون اقناع بضرورة سحب الصلاحيات من الحكومة لصالح تعديلات دستورية ستدستر غياب الولاية العامة من الحكومة لصالح فئة اوليغارشية لا نعرف اين ستأخذ البلاد ولصالح أي رزنامة!
طبعا لم يفوتني مشهد “خبراء” القانون والسياسة في الأردن وهم يبذلون قصارى جهدهم في محاولاتهم الفاشلة في اقناع الأردنيين بوجاهة التعديلات الدستورية المقترحة والتي ستجعل من الحكومة لا شيء، جزء من هذه الشريحة يقوم بذلك عن جهل وجزء آخر بانتهازية شديدة لا علاقة لها بمصالح الأردن وهم من دون وعي يفرقون بين مصلحة النظام ومصلحة الأردن في وقت كان دوما ينبغي أن تكون مصلحة النظام هي من مصلحة الأردن. كما لم يفوتني المشهد المسرحي لمجلس النواب وهو يبدو وكأنه في حالة تدافع سياسي مع الحكومة، كل ما في الأمر أن يتقدم السادة النواب الرافضين للاتفاقية لخطورتها بطلب جلسة سحب الثقة من الحكومة واسقاطها إن كانوا جادين، وبخلاف ذلك فالدولة العميقة لا تخشى عليهم ولا منهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى