خمسون عاماً على بداية السقوط العربي بمطارق تشرين.. كيف ولماذا وما هو الحل؟

خمسون عاماً على بداية #السقوط_العربي بمطارق #تشرين.. كيف ولماذا وما هو الحل؟

#فؤاد_البطاينة
بداية، وبعيداً عن كل التحليلات حول حرب ال 73، علينا أن نؤكد بأن الجيشين العربيين المصري والسوري قد خاضاها بشرف وطني وقومي وعسكري، وبكفاءة تحدثت عنها جهات الاختصاص الدولية. فالحديث في إطار هذه الحرب يخص حكامنا أصحاب القرار السياسي والعسكري بلا شريك، حيث ترتب عليها نتائج وتداعيات هيأت فيما بعد لانقلاب سياسي مدمر في مفهوم الصراع العربي الصهيوني وطبيعة مراحله اللاحقة، جاعلين من هذه الحرب مفصل تحول تاريخي جرَّ للحضيض أمةَ العرب ودولها وأوطانها وقضيتها الفلسطينية في سيرورة لم تتوقف بعد.
فقد كانت طبيعة النتائج السياسية والإقتصادية التي ترتبت على هذه الحرب هي لمقدمات ليست من جنسها، بل توحي بأنها لخارطة طريق مبرمجة وطويلة الأمد وضعها كيسنجر لتحقيق ما وصلت إليه أقطارنا وشعوبها وقضيتها الفلسطينية باتجاه سفلي سحيق ما زلنا نُساق إليه. وكأنها كانت حرباً مرسومة عسكريا وسياسيا ونتائجاً وأهدافاً في سيناريو شكل العصب لخارطة الطريق هذه. وفي هذا السياق تؤكد الدلائل غياب تل أبيب عن التخطيط لهذه الحرب، وغياب دمشق عن أي حبك مسبق لها إن صح وجوده. وعلى كل الأحوال لا نعرف إن كان التعاون أو التساهل العربي معها عمالةً، أم توريطا أم جهلاً وغباء؟
فالسيناريو المكشوف أمامنا كانت فصوله التي عشناها مطارق تضرب الأدمغة في العمق بدءا بزيارة القدس،الحدث الصاعق وغير المبرر لمنتصر أو مهزوم، وقبلها شاهدنا المفاوضات تبدأ والحرب على جبهة الجولان مستمرة، ويعلن الزعيم المصري الموافقة على وقف إطلاق النار دون التنسيق مع شريكه حتى اختل الميزان في الجولان ووصلت قوات العدو لمشارف دمشق بعد أن كانت مهزومة تستعد للرحيل من الجولان بعد وصول الجيش السوري لمشارف طبريا. وكما أكد الخبراء بأنه ما كان لثغرة الدفرسوار التي غيرت مجرى الحرب وبررت بدء التفاوض أن تحدث لو تُرك الرأي للقادة المصريين الميدانين لأفذاذ في تحريك وحدات الجيش، وأكدوا أيضاً بأن معالجة هذه الثغرة بعد حدوثها كان سهلاً لو سُمح لهؤلاء القادة الميدانين بتنفيذ ما اقترحوه.
كما عايشنا كيف مهدت الحرب ومفاوضاتها الممتدة الى معاهدة كامب ديفيد التي عكست معالم خارطة طريق أمريكية كيسنجرية لنهايات الصراع العربي الاسرائيلي بالمنظور الصهيوني القائم على إنهاء الحضورين الفلسطيني والعربي معاً. فكيف لمصر أن تُذعن لبنودها عندما تُخرجها كأقوى قوة عربية من معادلة الصراع العربي الصهيوني وتنزع زعامتها العربية وتتركها في المحصلة لدول عربية هي محميات حديثة برعاية المستعمرين ذاتهم، وتُخرجها من مسؤولياتها كدولة عربية اتجاه الإحتلال ولقضية الفلسطينية واعتبارها قضية تخص الفلسطينيين وحدهم ؟ وهذا بالمناسبة ما يعري حقيقة الهدف الأمريكي من وراء إقناع العرب بقمة عام 74 بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للقضية الفلسطينية، وهو تخلي الاردن عن الضفة كاراضي تابعة له لعزلها عن القرار 242 ونفض يد العرب عن القضية الفلسطينية وتسليمها لشلة تبين لاحقاً بأنها شلة أوسلو.
ونبقى في المطارق، فكيف لهذه المعاهدة سليلة الحرب أن تُخرج مصر من زعامتها لأفريقيا، وتُكرسها في مدار المعسكر الغربي المتبني للكيان الصهيوني الذي يتناقض وجوده مع مصر قوية أو بخير. وكيف لمصر أن تكون أول الدول العربية اعترافا وتطبيعاً بكيان الإحتلال علانية ولم تنزف على أرض فلسطين وأرضية قضيتها دماء أكثر من دماء شهدائها، وتفتح بهذا طريق التطبيع لحكام مُتربصين ومؤهلاتهم بين الجهل والعمالة، فكرسوا الإقليمية وانحازوا للكيان واتجهوا لوأد المقاومة الفلسطينية، فكانت وجبة بيروت، ثم تصفيات تونس فمسرحية مدريد وعنوانها الحقيقي المنصوص عليه في أوراق لجانها هو التطبيع. ثم التوجه للأمم المتحدة وإلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية والأبارتايد وإلغاء وتعديل قرارات تاريخية كانت ثمرة كفاح المقاومة الفلسطينية ودماء الشهداء. وتلاها تأسيس نظام أوسلو.
وباختصار، لقد جَعَلت كامب ديفد من مصر “إنتحارية” تفجر نفسها في الأمة العربية والقضية الفلسطينية. وشاهدنا الشظايا تفتك بكل المنطقة.
وبهذا نطرح التساؤل الحاسم الذي يقطع الشك باليقين وهو فيما إذا حققت هذه الحرب ومعاهدتها أية مصلحة لمصر بصرف النظر عن انعكاساتها المدمرة للمصالح العربية العليا والقضية الفلسطينية. لنجد أن مصر لم تحظ حتى بما فرضه لها القرار 242 \ عام 67، حيث أنهت حالة الحرب مع الكيان ولم تستعيد سيادتها على صحراء سينا التي عادت مشروطة ومنزوعة السلاح، علماً بأن الغاية من الاحتلال الصهيوني لها كان عزلها جغرافيا وعسكريا عن فلسطين أوعن كيان الإحتلال، وقد حققت المعاهدة هذا الغرض للكيان على الوجه الأكمل من خلال شروط الإنسحاب وحققت للغرب تأمين الملاحة في القناة. فهل نقول أن ما استفادته مصر هو السياحة في شرم الشيخ وطاباً وشيئا من النفط، نعم.
ولكن بالمقابل تراجعت اقتصادياً وصناعيا وزراعيا ً وغزاها وغزا شعبها الفقر والبطالة والديون والضعف. وفقدت قوتها وهيبتها وإمكانية السعي للتوازن الاستراتيجي العسكري مع جار نووي يعتبرها عدواً وجودياً، معرضةً نفسها كدولة وشعب لمخاطر الخضوع له، وفقدت ثقلها العربي والافريقي والدولي حتى استأسدت عليها دول المجاعات الأفريقية بأعز ما تملكه وشريان حياتها وهي مياه النيل وبدعم من الكيان ذاته. ومصر هذه هي صاحبة التاريخ الإمبراطوري والحضارات.
وأخيراً لدي نقطتان في لب السياق، الأولى أن طبيعة تعامل العقل العربي الشعبي والرسمي مع الأحداث مهما كانت جسيمة هو على أساس من الشكلية والشخصنة بالتركيز على الفاعل من دون فعله، فالموت الذي يُنهي الفاعل لا يُنهي فعله بل يُكرسه كأمر واقع (فالرصاصة التي قتلت السادات لم تقتل كامب ديفيد). ولذلك تسعى أمريكا لاستبدال عملائها لتستقر الأمور ثانية واستئناف مرحلة جديدة تُبني على سابقتها. ولعلنا نجد الحل في النقطة الثانية.
أمّا الثانية وزبدة الكلام في المقال، فأقول بأن ما توخيته في هذا المقال هو تلمس نقطة البداية التي تشكلت وانطلق منها جرحنا وما وصلنا اليه من خطر وجودي وتعريض فلسطين درة الأوطان للضياع وفيها القدس شرف الأمتين العربية والإسلامية، وذلك لكي ندرك من هذا التلمس كيف ستكون النتائج عندما يَمسك بزمام الأمور جهلة أو عملاء خونة. وبأن هؤلاء لا يُمكن أن يصلوا ولا يستقيم أمرهم إللّا في غياب الديمقراطية الممأسسة وسلطة الشعب. أما إن كانت الديمقراطية ليست من ثقافتنا كعرب، فعلينا بعقيدتنا التي تجعل من الشورى استجابة لأمر الله (الأية38 سورة الشورى)، بل أن الله تعالى لم يأذن حتى لرسوله (صلعم) بالتفرد بالقرار. وفي هذأ أقرأ من سورة آل عمران . (بسم الله الرحمن الرحيم فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر). فهل تنصر شعوبنا كلمات الله تعالى كي تنصر نفسها بنصرة فلسطين المقاومة؟
كاتب وباحث عربي اردني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى