خبط عشواء, في مجاهل البيداء، في الليلة الظلماء

خبط عشواء, في مجاهل البيداء، في الليلة الظلماء
عارف عواد الهلال
لعله من المفيد للحكومات استقراء آراء المواطنين الذين يئنون تحت وطأة أثقال الأعباء، لا أن تعتمد فقط على “الدراسات” التي تأتي بها الأوراق من المكاتب المغلقة، فالأقوال دوما تختلف عن الأفعال، تحت ما يسمى: “الفرق ما بين النظرية والتطبيق”، فالمسؤول الذي يتحدث من رخاء، ليس كالمواطن الذي يجأر من بلاء وهو قادر إلى حين على ابتلاع الألم عندما يرى أن الحكومة بكافة مؤسساتها تصدق مع الناس قولا وفعلا، فالترف الماثل أمام أعين المواطنين، والذي يتجاوز حدود البذخ لا ينبئ بانسجام أقوال الحكومات مع أفعالها.
فالمباني الضخمة التي تفيض عن الحاجة الحقيقية لأداء العمل صارت سمة البناء للعديد من المؤسسات الوطنية، ومثالان في قصبة محافظة إربد قد يكفيان للاستدلال على حجم هدر الأموال العامة، أحدهما مبنى مؤسسة الضمان الاجتماعي الذي يتجاوز قدر الحاجة لعقود عديدة، وثانيهما مبنى شركة كهرباء محافظة إربد التي كانت ولا زالت تشكو من الخسائر، فضلا عما تتكلف هاتان المؤسستان ومثيلاتهما من أموال طائلة كمكافآت لمجالس الإدارة التي ربما لا تضيف شيئا فوق القانون الواجب التطبيق من قبل الموظفين، وليس أقل شأنا من ذلك مجالس أمناء الجامعات الرسمية التي تدعي كل منها الضائقة المالية لتلجأ بين فينة وأخرى إلى زيادة الرسوم على الطلبة.
وزيادة على ذلك تأتي السيارات الحكومية، وسيارات المجالس البلدية والجامعات التي لا تبرح الشوارع والأحياء، ولا تغادر أبواب منازل المسؤولين أو السواقين، والتي أصبحت أشبه ما تكون بالمركبات الخاصة لقضاء الاحتياجات، فلم تفلح التعاميم المتكررة، ولم تنجح البلاغات المتلاحقة بالحد من ظاهرة انتشارها.
للفساد أشكاله المتعددة التي لا تقف عند حد، ولا تتوقف على شخص، فكل من تطال يده المال العام قد يكون عرضة للفساد حين يرى غيره يرتع فيما يليه، وللمثال فقط أذكر أنه عندما كانت إربد مدينة الثقافة الأردنية لعام 2007 كان يتم استئجار الكراسي وأجهزة الصوت من السوق المحلي مع وفرتهما لدى مديرية ثقافة إربد، ولما سألت بعض القائمين على مدينة الثقافة من الموظفين آنذاك أفادوا بأن من مهمة مدينة الثقافة تنشيط السوق المحلي، فكيف يمكن أن تتحقق إنجازات بالتبرير فقط لتغطية أحوال مشوبة بالمساوئ… وفي ذات السياق، وفي العديد من الوزارات والمؤسسات، يأتي عمل اللجان الداخلية التي يطول أمدها، ويتكرر انعقادها دون اتخاذ القرارات ليس لتحقيق مزيد من الدراسات، بل لتحقيق مزيد من المكافآت.
ومن بعد يتم التحدث باستراتيجيات الدولة، وبقضايا عامة وهامة تمس كل مواطن، من قبل من يدعي الحرص على الوطن أكثر من غيره، ومن موقع مسؤولية رفيع، ولكن بلسان يفتقد إلى الحصافة، ويبتعد عن الرصانة، وينأى عن التأدب، فيسيء إلى نفسه حينما يتحدث من أجل لغو الحديث لا من أجل جوهره، ويصيب عامة الناس بما ظن أنه اجتهد وليته صمت.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى