حل إشكاليات رقمية في مدن المستقبل

حل #إشكاليات #رقمية في #مدن_المستقبل
د. #أيوب_أبودية
كتبت مقالة عن مدن المستقبل: رؤى وتطلعات، وقد سارع الاستاذ فارس قاقيش بطرح أسئلة في غاية الأهمية، وتشمل جوانب متعددة تتعلق بتطور المدن المستقبلية وتأثير التكنولوجيا على المجتمع، من ضمنها كيفية الحفاظ على الهوية الثقافية، وتأمين الحماية والخصوصية من التحول السيبرالي، واستدامة فرص العمل، ومواجهة الازمات والكوارث. بالفعل، هذه الأسئلة تُظهر القضايا المعقدة التي يجب أن تُدرس بعناية في ظل الابتكار المتسارع، وقد سعينا الى ابراز بعض الحلول في هذه المقالة ولكن لا شك اننا بحاجة الى مزيد من البحث في المستقبل.

  1. الهوية الثقافية والتفاعل الاجتماعي في المدن المستقبلية:
    يمكن للمدن المستقبلية أن تحافظ على الهوية الثقافية من خلال دمج التكنولوجيا في حفظ التراث الثقافي وإتاحته للجميع. على سبيل المثال، استخدام الذكاء الاصطناعي في ترميم وتحليل المعالم التاريخية أو تعزيز الفعاليات الثقافية عبر منصات رقمية أو تصميم الابنية بوحي من التراث كتصميم معماري مناخي تراثي، كاستخدام الممرات المضللة والمشربيات وملاقف الهواء وما الى ذلك. أما التفاعل الاجتماعي، فيمكن أن يتجسد من خلال الأماكن العامة الرقمية التي تسمح بالتواصل بين الأشخاص من خلف الشاشات، مما يخلق نوعًا جديدًا من التفاعل بين الأفراد مع الحفاظ على الروابط الاجتماعية التقليدية، كالمسجد والحديقة العامة والأماكن الترفيهية.
  2. تأقلم سوق العمل مع تقدم الذكاء الاصطناعي ومصير الوظائف التقليدية:
    مع تطور الذكاء الاصطناعي، ستتحول الكثير من الوظائف التقليدية إلى مهام آلية، لكن ذلك سيفتح أيضًا مجالات جديدة تتطلب مهارات فنية عالية. من الضروري أن تستثمر المدن في تدريب الأفراد على هذه المهارات المتقدمة مثل البرمجة وتحليل البيانات وإدارة الأنظمة الذكية. كما يمكن التوجه نحو وظائف ذات طابع إنساني مثل الرعاية الصحية والتعليم والإبداع.
    ومع انتشار التكنولوجيا الرقمية، سوف يصبح العمل عن بُعد أمرًا أكثر شيوعًا، مما يتيح لعمال المعرفة الفرصة للعمل مع فرق عالمية وشركات عابرة للقارات من دون الحاجة إلى الانتقال الجغرافي. وسوف يتطلب هذا مهارات تواصل فعّالة عبر الإنترنت، والتمكن من أكثر من لغة، وليس الاكتفاء بمعرفة اللغة الأجنبية معرفة سطحية، بالإضافة إلى ضرورة تطوير القدرة على إدارة الوقت بشكل فعال والتعامل مع الاختلافات الثقافية والمذهبية والعرقية بانفتاح.
  3. ضمان الأمن السيبراني وحماية الخصوصية:
    في ظل الاعتماد الكبير على البيانات، تزداد الحاجة لتطوير قوانين وتشريعات لحماية الخصوصية وتأمين البيانات. اذ يجب أن تتبنى المدن الذكية تقنيات متقدمة للأمن السيبراني، مثل التشفير المعزز، والذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن التهديدات، بالإضافة إلى التدريب المستمر للمستخدمين لضمان اتخاذهم الإجراءات الوقائية المناسبة.
    أما بِشأن الاستبداد الرقمي، فيناقش كتاب الاستبداد الرقمي في منطقة الشرق الأوسط “Digital Authoritarianism in the Middle East” لمارك جونز ظاهرة استخدام الحكومات وسائل التكنولوجيا الحديثة لتعزيز سيطرتها على المواطنين ومراقبتهم. فالكتاب يركز على كيفية استخدام الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط للتقنيات الرقمية من أجل الرقابة والتحكم بالمعلومات وقمع الحريات.

بالنسبة لعمال المعرفة (مثل الصحفيين، الأكاديميين، المدونين، وغيرهم من المهنيين الذين يعملون في المجالات الفكرية والإعلامية)، فإن الكتاب يتناول التحديات الكبيرة التي يواجهونها في بيئة تزداد فيها أدوات الرقابة والسيطرة الرقمية بحيث يصبح الابداع محدودا نتيجة للقيود النفسية واللغوية والفكرية التي تعوقه، إذ تسعى الأنشطة الرقمية وجمع المعلومات حول الأفراد وإنتاجهم الفكري إلى تعزيز الرقابة وتقليل مساحة حرية التعبير.

ويتم ذلك عبر استخدام وسائل متقدمة ومكلفة لاختراق الأجهزة الشخصية والمواقع الإلكترونية لهؤلاء العاملين، مما يُعرّض خصوصيتهم ومعلوماتهم الحساسة للخطر. وبالمقابل لا يكون لديهم القدرة المالية لشراء أجهزة ردع كافية. والأصعب من ذلك هو أن إصدار القوانين الصارمة التي تحد من حرية الصحافة والتعبير على الإنترنت، ومعاقبة من يتجاوز هذه القيود، تكون عادة في يد الطبقة المهيمنة.

  1. مواجهة الأزمات والكوارث:
    تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة يمكن أن تساعد في التنبؤ بالأزمات والكوارث الطبيعية والصحية بشكل مبكر، وخاصة في ظل المخاوف من تبعات التغير المناخي الناجم عن الاحترار الكوني. اذ يمكن للمدن المستقبلية أن تستخدم الأنظمة الذكية لإدارة الموارد بشكل أفضل أثناء الأزمات، مثل توزيع الغذاء والمياه والكهرباء خلال الكوارث أو التنسيق الفعال أثناء تفشي الأوبئة او انتشار الاشعاعات في حال الشتاء النووي. أيضًا، قد تتوسع استخدامات الطائرات بدون طيار والرصد عبر الأقمار الصناعية في التصدي لهذه الأزمات.
  2. تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية:
    بينما تساهم التكنولوجيا في تحسين نوعية الحياة من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات والتواصل، فقد تسبب أيضًا زيادة في الضغوط النفسية بسبب الإدمان على الأجهزة أو الضغوط الرقمية المستمرة. لذلك، من المهم أن تشمل سياسات المدن المستقبلية اهتمامًا بالصحة النفسية، مثل تطوير بيئات رقمية داعمة واحتساب أثر التقنيات الرقمية على الرفاه النفسي للأفراد. كما يجب دمج استراتيجيات الوقاية والمساعدة في مواجهة المشاكل النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا في المدن الذكية المستقبلية.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى