على ضوء السياسات التقشفية التي اتبعت في السنوات الماضية في سبيل الاصلاح المالي، والذي لم يحدث طبعا، فإن أكبر التحديات التي تعصف بالأمن المعيشي للأردنيين هي انتشار معدلات البطالة في صفوف الشباب، والتي تجاوزت اليوم نسبة الـ 15 بالمائة، ناهيك عن انتشار جيوب البطالة في محافظات المملكة والتي بلغت 31 جيبا.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالكل يعلم أن معدل زيادة دخل الأسرة الأردنية في حال جمود تام منذ خمس سنوات، وآخر زيادة لموظفي الدولة بشكل عام كانت في العام 2011 في عهد حكومة سمير الرفاعي، ومنذ ذلك التاريخ لم يحصل العاملين في القطاع العام على أي زيادات من الخزينة التي تضاعفت مشاكلها وتنامت اختلالاتها في ظل عجز مالي مزمن يتجاوز الملياري دولار سنويا قبل المساعدات.
حتى القطاع الخاص دخل في نفق مظلم نتيجة السياسات الحكومية التي كانت تصب أولا وأخيرا على الاعتداء المباشر على ايراداته إن جاز لنا التعبير، وهو ما أثر على أعماله التوسعية وخططه المستقبلية، وبالتالي حدّ من قدرته على الاستمرار في ظل تنامي خسائره، وهو ما انعكس سلبا على قدراته في التوظيف وخلق فرص جديدة.
أما الموازنة فتمتعت في السنوات الماضية بدعم استثنائي من جيوب المواطنين وإيرادات القطاع الخاص ومساعدات خارجية غير مسبوقة حصل عليها الاقتصاد الوطني، لا بل استطاعت الحكومات في النهاية إزالة مخصصات الدعم على المحروقات التي كانت ترهق كاهل الخزينة.
في المقابل؛ استمر العجز المالي وارتفعت المديونية الى اكثر من 8.3 مليار دينار في عهد الحكومة السابقة، ووصل الدين إلى أكثر من 24 مليار دينار أو ما نسبته 94 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما ارتفعت معدلات البطالة والفقر وتراجع النمو الاقتصادي إلى أدنى مستوياته وتجمدت العملية الاستثمارية، إلى جانب هبوط حاد في التدفقات السياحية وحوالات المغتربين والصادرات الوطنية.
هذا الوضع فرض على الحكومة السير في خطوات اقتصادية سريعة من خلال اللجوء الى صندوق النقد الدولي غالبيتها ستفضي الى زيادة الأعباء المالية على القطاع الخاص وجيوب المواطنين الذي هم بالاصل يعانون من تداعيات السياسة الاقتصادية السابقة.
هنا يتحتم على الحكومة أن تنظر إلى المسألة بنظرة شمولية أكبر من تحصيل ايرادات سريعة للخزينة فقط، وإنما يمتد الأمر إلى الحفاظ على الامن والسلم الاجتماعي وتعزيز التوازن بين عملية الاصلاح المالي وتداعياتها الاجتماعية.
في هذا الاطار؛ لا بد للحكومة أن تتبنى خطة أمان اجتماعي تعمل على حماية الطبقات الوسطى والفقيرة في المجتمع من اثار السياسات المالية، ويكون هذا بحزمة متكاملة من الاصلاحات الاجتماعية وتخصيص المخصصات المالية للدعم المباشر للاسر غير المنتجة، مصحوبا ببرامج تاهيل وتشغيل للشباب الاردني في مختلف جيوب الفقر وبالتعاون مع القطاع الخاص الذي يتطلع هو الاخر الى حماية اجتماعية من خلال تسهيل وتبسيط الاجراءات والمعاملات عليه وتحفيز انشطته، وغير ذلك فسيكون المردود على الاصلاح المالي في المديين المتوسط والبعيد وخيمة على الاقتصاد الوطني وعلى استقرار وأمن المجتمع.
Salamah.darawi@gmail.com