جَنازةُ الرئيسِ المُواطنْ

جَنازةُ الرئيسِ المُواطنْ
د. جودت سرسك

لقد تُوفِي الرئيسُ الكوريُ في أذهاننا ووسائلِ تواصلنا الوهمية تحتَ تأثيرِ الكورونا وتبعاتِها وحربِ السياسة وصراعات الدول العظمى. توفي الرئيس الكوري تحتَ عباءةِ الحرب الإعلامية والكونية التي كانت الكمامةُ والفيروسات إحدى حلقات سلسلتها اللامنتهية رياضيا،في حين تشتَرطُ الدولُ الصغيرة حظراً وقهراً وترويعاً لِمن يُكذّب فكرةَ المؤامرة وعمَالة الكمّامة وتجعل ضمانَ المواطنةِ والانتماء الثناءَ على الحكومة ووزرائها والمُخلّصينَ لذنوبنا وأمراضنا،تجعلهم مسيحَ الآلام وجابري خواطرِ الأراملِ وعُمّالِ المياومة والأيتام.
ليتَ الأمرَ يقتصرُ على الرئيس الكوري وترامب وأعدادِ المكدّسين بالآلاف في إيران الذين فتكت السيدة الطليقة كورونا بتوسلِهم بالحسين والعماماتِ البيضاء والسوداء ،لقد تعدّت هذه الخاطئة فكرة الموت إلى فكرة تدنيس الكرامة والمقدّس،إذ يحظُر القانونُ عليك في الدول المُسْتلبة والتي لا تخيط ثوبها ولا تنتج غازها ولا تصطاد سمكها أنْ تسيرَ بلا كمّامة وتجبرك على شرائها مِن فانوس علاء الدين وتوقِعُ بك في حبال مخالفة الحظْرِ لتدفع ثمنَ فكِ عبوديتك وفداء أسْرِك في حرب الكورونا والسياسات المجحفة. لقد أيقظتْ معركة الكورونا فكرة الدولة العميقة ودولةَ السجن وطمسَ المعتقدِ الديني وتجريدِ الوجه من ملامح التديّن والإبقاء على تعاليم ستالين ولينين وماركس وجنكيز خان باسم الوطن وحبّه وتقديس كهنته وفراعينه.
حين تصبح المصالح العليا أكبرَ من الكرامة يُسحلُ الشعب لأنه رفع كمّامته عن وجهه واعتصم بحبل سفارته كي يرجعوه إلى وطنه العصيّ على أبنائه المحجورين عشوائياً خوفاً من فيروس سخّرَته الأقدارُ لتقهر العباد بالموت الذي لا فكاك منه، كلّنا نموت وتوضعُ الخِرَقُ في ثقوبنا وتُحنّط ُالجثة بحَنوطٍ تنفرُ منه الأحياءُ ونُلفُّ بكفنٍ ليس بأبيض بل لطخته تسريبات أجسادنا بعيد الغُسل ووضع غرباء المستشفيات ومنصّات التكفين والتأبين أيديهم فينا طلباً للأجر .أجسادنا ستؤول للتراب وتلامس خدودنا رمل القبور ووحشة الوحدة لتلقى ربّها وترجع لموطن آدم وإبليس وحاشيته.
لا شفاعة لمناعة الجمع والقطيع لا شفاعة لقانون وسنن الطبيعة،ويبشرونك بالعَوَزِ وتجدّدِ نسلِ الفايروس وهبّات جديدة ويزرعون الخوف في جنبيك. حين كانت تحذّر دولة الرأسمالية الأولى من تناول الكحول والإفراط فيه كانت الضحايا وأعداد الموت كحولاً وإفراطا فيه وسُكْراً تصلُ إلى اثنين مليونِ مخمورٍ ومسطول،فما بال الرأسمالية اليوم تخشى عشرات الآلاف من المحمومين والمسالمين وتشلّ قطار الحياة.
في بلاد أُحُدٍ وبدرٍ وتبوكَ والفتحِ وسقوط الوثنية يغلقون على الدين مساجدَه ويقفلون بيوتَ الله ويمنعون رزق مريم في محرابها ويسحَلون وينحلون ويحفلون ،وفي بلاد اليرموك يحلقون ويقلقون ويسرقون أقوات الأرض من أفواه زُرّاعها وحُرّاثها وكلِّ أبنائها.
يحتارُ الكاتبُ ما بين الإطالةِ والتبيان والتحبيرِ والسَبك وبين التقصير والمباشرةِ في زمن ردّة اللغة والهويّة،في زمن رامز مجنون رسمي ،في زمنٍ يحتفي الجمعُ بصورِ ياسمين صبري وتقاسيمها ومراهقاتها وخرابيشها وفساتينها وتمرّ ذكرىياسمينية الخدّين أسماء البلتاجي ووجوهنا ملطّخة بالخجل والخوف من تخفيض رواتب الذلّ في القرن الكوروني.
حين نتناول حبّات مسكّنات الخوف ومميّعات الدمِ خوفا من أوجاع القلبِ وخوفاً من تأخر تسديد أقساط أبنائنا ودفع رسوم الزيّ والكتب المدرسية لما بعدَ عام،تتعرّى صناديقُ جمْعِ التبرعاتِ والهِمَم ،وتظهر عورات حكومتنا ومدارسِنا المكدّسة بالتجهيل والتقسيم الطبقي.
يا ويلَ من يموت في زمن الكورونا ،يموت وحيدا ويبعث وحيداً يزفّه شهيداً لمقابر المسلمين أبو ذرَّ يلف وسطه بخيوط نسجها حمام الهجرة ولا أكتاف تحمله ولا دموع وعيونٌ ترثيه وتتساقط على ذكراه.
تتسارع إعلانات الإفلاس قريباً وخططُ الخروجِ الآمنِ منْ أزماتِ الشركات الصغيرة التي يعتمد بقاؤها على وجود السيولة المالية وقاعدة الزبائن العريضة، ومن لا يمتلك النقدَ الفائض وتعدّد الزبائن فمصيره الاندثار الاقتصادي،وجُلّهم لا يملكون. والشكرُ كُلّ الشكرِ للحكومة التي طمست معالم السياحة والسفر والتصنيع وقطاع الخدمات وتركت العاملين فيه يتيهون تحت شعار الأولوية للخروج الآمنِ من الأزمة الصحيّة وتجاهل الأزمة الاقتصادية.
كلّ التحيةِ والإجلال لجثمان الرئيس الكوريّ الذي هيأنا للحظة الموتِ وضرورة الاستعداد له ،فالأسود لا تخشى مجاهلَ الأدغالِ ولا وعورة الطريق. علّمنا ألّا طاعة لمخلوقٍ في اغتصابِ وطنٍ وانتهاك ديمقراطية ساكنيه وطمس كرامتهم.يا نخلة العذراء ظلّلينا بفيئك وهزّي بجذع نخلتِك تتساقطْ علينا كرامةً وحريّة ورزْقاً حسَناً وانْفُضِي عنّا غبارَ وثنيتهم وافترائهم، حرّرينا من صمتِنا ونَذْرِنا القسريّ بالسُكوتِ خوفاً مِن سجونِهم ،علّمينا معنى صوتِ الملائكةِ وثباتِ الدعاةِ رغم كلّ الجلّادين وافتراءات البغاة ،علّمينا أنّ عيسى لا يكون بلا مخاضٍ وانثري فينا أنهارَكِ تجري تحتَنا سَرِيّا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى