اختطاف / قصة قصيرة

[review]

لم أكن يوما قاتلا ، لصاً، أو قوادا ، ولم أكن غريب الأطوار، كما أنني لا أجيد شيئا-تقريبا- غير الكتابة ، أكتب قصصا قصيرة في مجلة متواضعة و أعتاش بالقليل الذي أحصل عليه من تلك المجلة ،هذا القليل الذي بالكاد يكفيني لأن أتناول وجبة واحدة يوميا و أدخن علبة سجائر واحدة ، كما أنه لا بيت ثابت لي .. ولا أصدقاء، أتنقل باستمرار هنا وهناك في هذه المدينة الكبيرة ،كنت أقاوم ضنك العيش و أحاول قدر الإمكان أن أحافظ على مزاجي في أفضل حالاته إلى أن دخلت ذلك السوبر ماركت اللعين ذات يوم وحدث ما حدث.

كان بداية يوم عادي ،هبطت درج المكتبة العامة الواقعة قرب مقر المجلة و توجهت إلى السوبر ماركت القريب لأشتري علبة سجائر كعادتي، ابتسمت للموظفة التي بدورها بادلتني ابتسامة طفيفة و سألتني عن أحوالي .. قلت لها أنني بخير ،أو هكذا أشعر على الأقل، سألتني ndash;كعادتها- عن لحظات التجلي و عالم الكتابة الغريب و أجبتها باقتضاب-كعادتي- و نظرت أكثر من مرة إلى المكان الذي تتكدس فيه علب السجائر في إشارة إلى أنني على عجلة من أمري و على أحدنا أن ينهي هذا الحوار المقيت المعتاد …

و في لحظة ما دخل رجل ضخم و سيدتين بملابس غريبة ، اصطف الرجل وسيدة من الاثنتين خلفي ولم يشتريا شيئا ،بينما تقدمت السيدة الأخرى إلى موظفة السوبر ماركت و رأيتها تشهر مسدسا في وجهها ، في البداية ظننت أنها عملية سرقة عادية لكن الذي حدث أن السيدة قالت للموظفة : لا نريد مالا .. نريد هدا الرجل فقط، ،عندها عرفت أن هذا اليوم ليس يوم سعدي على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

الموظفة هزت رأسها موافقة ،و بسرعة البرق وجدتني مقيدا غارقا في العتمة وقد كمموا فمي و عصبوا عيني ،ثم ألقوني في سيارة تحركت بسرعة، لا أدري إلى أين ، كانت الأفكار السيئة تتلاطم في رأسي كأمواج البحر العاتية .

بعد ساعة تقريبا توقفت السيارة و اقتادوني إلى شقة بعيدة، نزعوا العصبة عن عيني والشريط اللاصق عن فمي و وضعوني في غرفة خافتة الإضاءة.

ما الذي تريدونه مني ؟، لم أقترف جرما،لا أعرفكم حتى.. قلت،بنبرة صوت هادئة لا تخلو من التوسل.

قال الرجل : لا تعرفنا الآن ها؟ لا تعرفنا يا مجرم ؟، وصفعني على خدي الأيمن بقوة .. شعرت بعدها مباشرة أنني لست بخير .

تقدمت إلي واحدة من السيدتين و أمسكت بخصلات شعري الأمامية ، شدتها للأسفل بقوة ثم سألتني و هي تهم بالبكاء : من قال لك أنني زانية أيها الوغد ، ألا تخاف الله ؟،

بلعت ريقي.. وسألت بدهشة : أنا ؟!

نظر إلي الرجل و هو يمسد شاربه الكث … و أنا أيها المجرم ، لم أنعم براحة بال مند أن ألصقت بي تهمة السرقة ، لقد جعلتني لصا..

لم أعرف عن ماذا يتحدثون لكنني عرفت أن الأمر جدي وأن أي حماقة سأرتكبها قد يكون ثمنها حياتي.

السيدة الأخرى بدت أكثر هدوءا منهم عندما قالت بصوت ناعم : هذا ما تفعلونه أنتم الكتاب ، تكتبون ما تريدون و عندما تقع الفأس في الرأس تتهربون و تصل فيكم الوقاحة حد الإنكار..

طلبت كأس ماء كي أبلل ريقي الجاف بعد أن سمعت كل هده الاتهامات..وقوبل طلبي بالرفض..

نظرت في عيونهم واحدا تلو الآخر و قلت بكل ثقة : أنا بريء من تهمكم هذه ،حتى أنني أراكم للمرة الأولى في حياتي .

غابت السيدة التي تحمل مسدسا في يدها داخل الشقة قليلا وعادت بسرعة ،ثم ألقت بعدد قديم من المجلة التي أكتب فيها تحت قدمي المقيدتان جيدا ، فتحت على قصة من قصصي ،و سألتني : وماذا تسمي هذا؟

قلت لها : قصة ، كتبتها أنا ،و هي من خيالي المحض ،

تعترف إذن؟ سألت السيدة الهادئة

أعترف بماذا؟؟لم أرتكب جريمة في كتابتي لقصة

بصقت علي و قالت : و ما ذنبي أنا ، طبيبة أسنان محترمة مثلي ، تجعلني جاسوسه ، جاسوسة أيها القذر.

– طبيبة أسنان محترمة ، لا تبصق على رجل محترم لا يعرف ما الذي يجري له، وأين هو، ومع من يتحدث حتى .. قلتها بهدوء كي أشعرها بتأنيب الضمير و أعتقد أنني نجحت في ذلك..

وبعد أن سكتوا ثلاثتهم مرة واحدة شرعت في الدفاع عن نفسي :

إن كنتم تريدون أن توهمونني بأنكم من شخوص قصصي فأقول لكم بأنني لا أذكر أسماء في قصصي إلا ما ندر ،وكما ترون في هذا العدد الذي بين أيديكم لا ذكر لأي اسم نهائيا و هذه واحدة من عاداتي في الكتابة.

قالت السيدة التي تحمل المسدس : ما زلت تنكر .. ها أنا أمامك ،السيدة التي أقحمتها في قصتك تلك، أمامك بلحمها وشحمها ! !

ضحكت و سألتها ما الدليل ؟ ، وراودني في تلك اللحظة شعور أنني أحلم أو أتخيل هذا في واحدة من لحظات التجلي التي كنت أصفها لموظفة السوبر ماركت، فسألتهم مجددا : وماذا إن كنت أتخيل هذا كله و ما يحدث الآن هنا في هذه الشقة ،غير حقيقي ،لا يتعدى كونه حلم أو حدث أتوهمه أنا ،

عندها تقدم الرجل الضخم و صفعني بقفا يده على خدي الأيسر ، شعرت بعدها- مرة أخرى- أنني لست بخير ،ثم سأل:

وما رأيك الآن .. هل هذا حقيقي؟

لم أتمالك نفسي و دخلت في نوبة بكاء طويلة

غابوا ثلاثتهم عني تلك الليلة و نمت وحيدا، ناديت و صرخت واستنجدت لكن بلا جدوى… عادوا إلي صباحا ، ومعهم (علبة حمص و عشر حبات فلافل) أطعموني ،وبعد جولات عديدة من المفاوضات قبلوا أخيرا أن يلبوا لي طلبين ،

كان طلبي الأول أن يخبروا موظفة السوبر ماركت أنني لست بخير ،

والطلب الثاني (الذي لا أدري كيف وافقوا عليه) هو أن يوصلوا قصتي هده إلى المجلة ، فان كانت هده القصة قد وصلتكم بطريقه أو بأخرى، و قرأتموها .. أينما كنتم ،أرجوا أن تبحثوا عني و تساعدوني ، أنا أتعرض لعملية اختطاف حقيقية ! !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى