جمعية إعجاز القرآن والسنة – محاضرة لمح البصر أد. أنيس الراوي

سواليف
بدعوة من الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة ألقى العالم الأستاذ الدكتور أنيس الراوي محاضرة بعنوان ” لمح البصر ظاهرة الظهور والانطواء “Implicate and Explicate”وهي ظاهره فيزيائية نحتاجها للاطلاع على حقيقة وجودنا في الكون؛ فكل شيء في الوجود صغر أو عظم يظهر ويختفي بلمح البصر أو أصغر من لمح البصر، فحياتنا في أي لحظة هي غير الحياة في اللحظة التي سبقتها أو تليها، فتمر الأشياء كلها بهذه السرعة، ففي أي لحظة أنت ماضٍ، حتى وأنت تقرأ حروف هذه المقالة قد أصبحت وإياها ماضياً لا يعود أبداً إلا إذا عكس سهم الزمن.

فالماء الخارج من الصنبور يظهر فجأة أمامك، ثم يختفي على الفور ليذهب من غير عودة ويأتي غيره، فلا يوجد شيء ثابت في هذا الوجود قال تعالى: “وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر” فأمر الله كل شيء يتبدل إلى عالم الخفاء، وكل الوجود في أي لحظة يتغير كذلك في لمح البصر، إلا أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فهي ثابتة بثبات الله سبحانه وتعالى، فلا تغيير فيها ولا تبديل، فالله الصمد؛ وهو ثابت صمد، وكل مخلوقاته في تغير واضطراب مستمر بسرعات هائلة. وهو اللطيف؛ يستمر بلطفه دون انقطاع. وهو الجميل؛ يستمر بجماله في كل حين. وأسماؤه تعالى هي أسماء كمال مطلق، متداخلة مع بعضها البعض، فأي اسم منها يدل على الذات العلية؛ فهو السميع البصير، وهو الرحمن الرحيم، وهو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر.

وفي الدنيا لا يوجد شيء اسمه “حاضر” إطلاقا لأن أي لحظة أنت فيها مهما صغرت ستصبح ماضٍ بلمح البصر، والحاضر سيكون فقط يوم القيامة عندما يقف الزمن!، ونرى كل شيء ثابتاً أمامنا كالصورة الفوتوغرافية التي تبدوا لنا أنها لا تتغير، قال تعالى : ” ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً “، فسوف نرى ما عملناه أمامنا من خير ومن شر بصورة متواصلة، لأنه لا زمن في الجنة، فالزمن يتوقف فيها من سعتها، فعندما نقسم الواحد على ما لا نهاية فإن الناتج يساوي صفراً، وهكذا فسيكون زمن تواجدنا صفراً، وهذا هو الزمن الحقيقي عند الله تعالى، فالله لا تتغير صفاته ولا أسماؤه وهو كما كان، أزلياً أبدياً سرمدياً، “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”.

وتتبدل ذراتنا وأجزاء ذراتنا ودقائقها دون الذرية والأوتار ويتكون غيرها في أية لحظة، فالإنسان قبل ثانية من الآن ليس كما هو في الثانية القادمة، فقد مرت مليارات الأحداث على كل ذرة في أجسادنا، وكما مرت على كل ذرة في الوجود، فالكون يعيش في ظهور وانطواء دائم إلى يوم الدين.

وفي لمح البصر نرضي الله فيدخلنا النعيم المقيم، كما أننا وفي لمح البصر نعصيه فقد يدخلنا نار الجحيم، والبشرية كلها ستحاسب يوم القيامة على عدد لمحات البصر، فهل تستحق الدنيا أن يدخل عبد النار من أجل لذات مرت عليه في لمح البصر؟!

وقال تعالى ” ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض”، والمطر مخبوء في السحاب ثم يخرج، والإنسان مخبوء في سلالة الماء المهين ويخرج إلى الحياة، والنجوم مخبوءة بضوء الشمس، والكون كله مخبوء ويظهر بلمحة بصر، ويعود ليختفي بلمحة بصر أيضاً، فالوجود كله في كل لحظة يظهر ويختفي ويتبدل، إنها حالة الظهور والانطواء لكل شيء في هذا الكون.

والله هو الذي خلق الموت والحياة (استمرار الخلق واستمرار الموت)، قال تعالى: “إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين” فلا توجد عبثية في ميزان الله تعالى ومنهجه، ولا تضيع ذرة أو أصغر من ذلك عند الحساب، فهو سبحانه يكتب آثارنا من لحظة الميلاد إلى لحظة الغرغرة، محصية ومسجلة ومستنسَخة ومسطورة في إمام مبين، فكل شيء محسوب بدقة متناهية على مستوى الذرة أو ما هو أدق، في كل لحظة ولمح البصر.

وتأتي هذه المحاضرة الشهرية التي تقيمها “الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة” ويحضرها نخبة من العلماء والباحثين والمتخصصين، من باب الدعوة إلى الله على بصيرة، ولبيان الإعجاز العلمي وسنن الله في الأنفس والآفاق، وأن هذا القرآن حق، وأنه تنزل من رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى