جماعة الوجبـات السريعة / د. قـــدر الدغمـــي

جماعة الوجبـات السريعة

عندما يريدون الإشارة إلى اكتمال و حسن نموّ الأمر مع اكتمال ظروف وشروط نضجه يقولون بأنه طبخ على نار هادئة … أما عندما تنضج الأمور على نار غير هادئة فتلك هي الوجبات السريعة.
في عالم اليوم تنتشر محلات الوجبات السريعة ولعل وجه السرعة فيها يعود إلى أنها لم تنضج على نار هادئة … على إثر هذه الوجبات السريعة تنتشر المصحات والعلاجات المتعلقة بزيادة الوزن بشكل غير طبيعي وهو أمر مضر بصحة الإنسان لأن أجهزته لم تعد تتحمل الوزن الزائد الذي تسببت فيه تلك الوجبات السريعة … إنه شيء يشبه الجنون … أن يشتري الإنسان داءه و دواء دائه من على نفس الشارع … يدفع الثمن مرتين مع أنه غير متأكد من حصول الفائدة ولا حتى السلامة!..
المزارع الآن تتسابق إلى إغراق الأسواق بمنتجاتها … في سبيل ذلك تستعمل أساليب تسريع وتحسين النمو من خلال تلاعب الإنسان بالمادة الوراثية عبر ما يعرف بالهندسة الوراثية ومن خلال استعمال الأسمدة المصنعة المنشطة في النباتات ومن خلال عقاقير تسريع النمو وبعد ذلك تضاف الأصباغ والمواد الحافظة لها … والنتيجة أن أمراضا مزمنة ومستعصية لم يعرفها الناس في أسلافهم قد انتشرت بين الناس بشكل مذهل.
هل سبق أن رأيتم مثلاً حبة بطيخ تزن 22 كم وهي تنضج بين عشية وضحاها..؟ وهل رأيتم دجاجة تزن أكثر من ثلاث كيلوغرام ونصف ولم يمضي على خروجها من البيضة عدة أيام ..! إنه فعل المنشطات الكيماوية والأسمدة والعقاقير.
في عالم التطور والنمو والترقي الإداري أيضا توجد “وجبات سريعة” بهندستها ومهندسيها وبأسمدتها وعقاقيرها ومنشطاتها التي لا تقل ضررا ولا فتكا بحياة البشرية … هل رأيتم وزيرا أو مديرا عاما أو موظفا قد ملأ الدنيا وشغل الناس يظهر للناس بين عشية وضحاها دون أن يكون له سجل مهني مثلا يخبرنا فيه عن سيرته وسريرته..؟ … هل رأيتم تاجرا أو رجل أعمال قادم لتوه من طبقة الحفاة العراة العالة وقد جمع بحوزته بين عشية وضحاها “ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة” من خزائن و كنوز..! …إنه النمو غير الطبيعي بفعل “الوجبات السريعة” أيضا.
حدثني أحد الزملاء عن ترقية متسارعة لزميل له … فكر صديقي مليا ثم قال لي – تقريبا وبشيء من التصرف: هذا شيء طبيعي في بلدنا..! ألا تعلم أن “زوج عمة خالة ابنة عمة زوجته مسؤول كبير في الدولة” هذه العلاقات العنكبوتية المعقدة تعتبر وجه آخر من أوجه “الوجبات السريعة”.
يقول أحدهم : “لا يقاس النجاح بالموقع الذي يتبوأه المرء في حياته بقدر ما يقاس بالصعاب التي يتغلب عليها”… ويعرف المخترع الأمريكي “توماس اديسون” النجاح بأنه (99%) عمل وعرق ومثابرة و (1%) للبقة … وأي نمو يحصل خارج هذه القاعدة إنما يحصل بفعل “الوجبات السريعة”… طبعا ستلاحق صاحبه المضاعفات والامراض والأعراض الجانبية وستلاحق المجتمع من بعده تلك الأعراض وتهلك الوطن.
الذي ينمو ويترقى في مشواره الوظيفي
على طريقة “الوجبات السريعة” لن يكون منتجا أبدا وسيظل يلاحقه شعور بالنقص لعلمه أنه شخص في مكان لا يستحقه … فكل تطور أو نمو بشري لا يمر عبر الجهد والعرق والعمل والمثابرة هو نمو مشوه غير طبيعي ومضر بالوطن وستكون له نتائج خطيرة في المستقبل .
حفاظا على الوطن متى يا ترى يتوقف جماعة التسريع والنمو غير الطبيعي وتحضير “الوجبات السريعة” السامة المخلة والمضرة بنا وبهم وبالوطن ..؟ ومتى يضعوا محددات علمية للنمو والتطور والتعيين والترفيع بكل شفافية وعدل وحياد ..؟

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى