جدلية الدولة المدنية والدينية 1/2 … د. هاشم غرايبه .

جدلية الدولة المدنية والدينية 1/2
مقال :23 / 1 / 2017
يكثر الحديث في هذه الأيام عن الدولة المدنية، ويتحمس لذلك نفر قد نذروا أنفسهم للنضال من أجلها، هذا الإلحاح غير المبرر يدفع المرء للتساؤل لماذا التركيز على هذا الموضوع الذي لا يجادل فيه أحد، بل تبدو القصة كمن يحاول أن يقنعك أن السيارة أفضل من عربة الخيل.
طالما أنه لا توجد دولة تعتبر نظامها ديكتاتوريا، ولا تعترف أية دولة بأنها عسكرية حتى لو كان رئيسها ووزراؤها عسكر وجاءوا إثر انقلاب عسكري، إذا لم يبق من أنواع أخرى غير الدولة الدينية.
لكن هذا النموذج غير موجود في العالم إلا في ثلاث نسخ: المسيحية في الفاتيكان واليهودية في فلسطين والشيعية في إيران!، والطريف أن هؤلاء (المناضلين) لا يذكرون أياً من هذه الدول بسوء ولا يطالبون بتغيير نظامها الى المدني.
لو سألتهم: لماذا كل ذلك النضال إن كان المبتغى والمراد واقعا متحققا بلا طعان ولا نزال؟
سيجيبون نحن ضد الدولة الدينية وسيعترفون أنه لا دولة في العالم تطبق الشريعة الدينية سواء إسلامية أو مسيحية أو يهودية.
إذا فالنضال هو ضد شيء مفترض أنه سيتحقق وليس متحققا حاليا، واستباقا له يمنعون حصوله.
على ذلك نفهم أن شعار الدولة المدنية هو مخصص حصريا لمنع قيام دولة إسلامية.
التساؤل المهم هنا: لماذا التركيز في هذه المرحلة بالذات على هذا الموضوع؟، مع أن حالة الوهن التي يعيشها المسلمون الحالمون بتلك الدولة العتيدة محبطة، إضافة إلى أن الأنظمة العربية والإسلامية جميعها ملتزمة بألا تدع فرصة لتحققها ولا تغفل طرفة عين عن ملاحقة كل من يدعو لها.
على الرغم من سذاجة هذا السؤال، إلا أنه في حقيقة الأمر يختزل كل مشكلات أمتنا، ويشير الى كل المصائب التي أحاقت بها منذ بداية القرن الماضي، كما يتفرع منه تفسير إنشاء الكيان اللقيط على أرض فلسطين.
إنه الخوف من عودة المارد العربي الإسلامي الذي خرج من قمقمه قبل خمسة عشر قرنا، واستهلك من الغرب جهودا هائلة حتى أعادته الى ذلك القمقم، فأقامت عليه حرسا شديدا من نخب قيادية درستها دينا بديلا (الليبرالية) في معاهدها فغدا ذلك لها أباً، وأرضعتها لبان العلمانية فباتت لهم أما بديلة عن أمهم – أمتهم.
من هذه النخب خرجت قيادات الأنظمة السياسية العاقة لأمتهم الأصيلة والبارة بأمهم البديلة.
لكن ثورات الشباب عام 2011 نسفت الإطمئنان الى صرامة هذا الحرس وقدرته ، فقد انهارت في ساعات أجهزة أمنية صرف عليها مليارات ودربت لسنوات وظهرت إمارات على تقلقل القمقم، فتمت على وجه السرعة استعادة زمام الأمور، ثم أتبعت بالحرب على الإرهاب الإسلامي تحديدا، لتمرير البطش بكل من يشكلون معارضة لهذه الأنظمة.
يبدو أن كل ذلك لم يكفِ لإعادة الطمأنينة، لذا لجأوا الى الحرب الفكرية بحملات التبشير بالدولة المدنية بديلا للإسلامية.
سنستكمل الموضوع لاحقا لدحض ادعاء تناقض الدولة الإسلامية مع مفهوم المدنية.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى