صراع الولاءات والتجزؤ الهرمي / وليد عبد الحي

صراع الولاءات والتجزؤ الهرمي

تفكيك المجتمعات لولاءات افرادها المتداخلة ثم التنازع بين الولاءات الأعلى والولاءات الأدنى والانجذاب للولاءات الأدنى هي الأبعاد المركزية لنظرية التجزؤ الهرمي في تفسير الصراعات الداخلية والخارجية…وتمثل الهند حالة نموذجية لتوضيح الحالة:
منذ استعمار الهند من قبل بريطانيا كان الهنود يعتقدون ان مشكلتهم هي الاستعمار البريطاني، بمعنى أنهم كانوا يعتقدون بأنه لو تنسحب بريطانيا ينتهي الصراع ، ….انسحبت بريطانيا ، فإذا بالصراع الكامن بين المسلمين والهندوس يطل برأسه مباشرة ، ويبدأ الصراع الديني بعد ان كان صراعا اقتصاديا سياسيا مع بريطانيا ، وما ان تم حل الصراع الديني بفصل اغلب المسلمين عن الهندوس بانشاء دولة باكستان، اعتقد الباكستانيون ان المشكلة انتهت، فإذا بالصراع بين القومية البنجابية والقومية البنغالية يطل برأسه، وتدور رحى حرب طاحنة كانت نتيجتها انفصال القومية البنغالية في دولتهم الخاصة عن باكستان واصبح اسمها دولة بنغلاديش…وافترض الباكستانيون ان المشكلة انتهت ، فإذا بالصراع المذهبي بين السنة والشيعة يطل برأسه حاليا ، ونسمع الآن بين حين وآخر عن اغتيالات وتفجيرات لمساجد كل منهما للآخر….فكيف توارت هذه الولاءات المتداخلة في باطن بعضها بعضا، ولماذا ثارت في مرحلة معينة ولم تثر في مرحلة سابقة او لاحقة..؟
فالمجتمع الهندي ينطوي على تباينات متداخلة يتوارى كل منها في احشاء الآخر، فما ان يتم إزالة القشرة عن أحدها حتى يتبين ان تحت القشرة نواة لثمرة أخرى مختلفة، وما ان ننتزع النواة تطل علينا قشرة لنواة جديدة ومختلفة…وهكذا..
ويرى علماء النزاعات الدولية ان انتماء الفرد والجماعات لأنساق متداخلة يجعلها تحمل ولاءات تتضارب في بعض الاحيان ، فيصبح الفرد متوترا قلقا بين ولاءاته العليا وولاءاته الدنيا،ويرى هؤلاء العلماء ان “الغالبية” من الانساق الفرعية تنحاز لولاءاتها الدنيا…وهو ما يعد المؤشر الأكثر وضوحا على تخلف المجتمع…ومفهوم الدولة المدنية يحاول ان يجد نقطة وسطى وتصالحية بين الولاءات العليا والدنيا…اما في المضارب العربية، فإن الولاءات الدنيا تستولي على العقل والوجدان، ويكفي لأي حادث بسيط ان يوقظها لتتحول بركانا ينفث حممه في كل زوايا المضرب….لعل هذا يفسر مفهوم الامة اللقاح كما وصفها ابن حزم وابن خلدون وغيرهما نتيجة تكلس الولاءات الدنيا وعدم القدرة على بناء ولاءات أعلى…ربما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى