جاري لؤي وتراث والده! / د.ماجد توهان الزبيدي

جاري لؤي وتراث والده!

جاورني الأستاذ “لؤي”في العمارة السكنية لأعوام ست او سبع!لم اعد أذكر بالضبط ،لكثرة ما كان يأكل اذني اليمنى واختها اليسرى بحديثه الدائم عن والده الراحل قبل ربع قرن، والذي نُقل رفاته مع رفات جيرانه في مقبرة البلدة لمكان صغير آخر لضرورة تطلّبها التخطيط الخدماتي من قبل البلدية!
كان جاري “لؤي” يُخصص ساعتين في اليوم على مدار العمر ،واحدة في النهار واخرى ليلا ،للجلوس تحت صورة والده في صالون شقته ،ويجلس جلسة القرفصاء( معناها:أَن يجلسَ على أَليتيه ويلصقَ فخذيه ببطنه ويحتبيَ بيديه يضعهما على ساقيه، أَو يجلسَ على ركبتيه منكبًّا ويُلصِقَ بطنَهُ بفخذيه ويتأَبطَ كَفَّيْه) صامت خامد لا يؤتي بأي حركة ابدا ،سوى من عينيه وشفتيه،كانّهُ يدعو له بالرحمة!!
وكان الرجل كلما إلتقينا يفيضُ بالحديث عن بطولات ، ومآثر يزعم ان والده قد قام بها إلى درجة أنني خلّت أنّهُ كان نائبا أو عينا أو رجل دولة أو مؤسس جمعيات خيرية على مستوى الوطن أو احد كبار مُتبنيي الأيتام على نفقته الخاصّة،لكنني من باب حسن الإستماع لم أساله عن مهنة والده ولا عن الوظائف التي تبؤاها !
بعد مغادرة جاري لؤي للعمارة وإضطراره للسكن في ضواحي شمال العاصمة لأسباب خاصة بتعليم أولاده ،إلتقيتُ صدفة في قاعة ترخيص المركبات بخاله ،الأمر الذي أيقظ في كياني حب الفضول عند الحديث عن جاري العزيز أن أسأل الخال عن نسيبه أبي لؤي!!

حاول الخال أن يتجاهل السؤال ،لكنّه لمّا عرف سلامة المقصد من الإستفسار ،عاد وقال :”كان رحمه الله موظفا درجة خامسة في ملاك مديرية الصحّة”!
– يعني كان طبيبا متخصصا ؟!
– ليس الأمر كذلك !كان مفتشا على مطاعم الحي الغربي من المدينة!!
– وما هو مؤهله الأكاديمي او التعليمي أو المهني؟
– لم يُكمل نسيبي الثانوية ،ودخل إلى كادر وزارة الصحة مرافقا أطباء الريف والبادية ،يتولى عمليات التسجيل!
– لكنه قد يكون فاعلا حزبيا ومشاركا سياسيا ومنخرطا في العمل النقابي؟
إستأذن نسيب المرحوم بالإنصراف ،بعد أن نادى عليه موظف شباك تسليم رخص تجديد السياقة،ثم قال بصوت خفيض:ربما!!لكن لا علم لي بذلك!
قلت في نفسي بعد أن نادى علي موظف الشباك ذاته:”كل فتاة بأبيها معجبة”!!

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى