جائزة حبيب الزيودي
بعد ثلاثة أعوام من وفاته، انتبهت أمانة عمان الكبرى فابتدعت جائزة أدبية تحمل اسم الشاعر الأردني حبيب الزيودي الذي كان يوما ما مديرا لبيت الشعر فيها، فضلا عن كونه شاعرا أردنيا اكتسب في حياته حظوة من العديد من المؤسسات الوطنية سواء الرسمية أو الأكاديمية، وأحرز شهرة عربية وسمعة عالمية لا يغض منها مبغض، كل ذلك مدعاة لأن يتم ترسيخ اسم الشاعر ثقافيا كواجب على مؤسساتنا التي من بعض اهتماماتها الشأن الثقافي، استذكارا للقامات الأدبية والثقافية التي أثَّرَت وأثرَت، وجاءت شروط الجائزة مفتوحة للمشاركة من قبل جميع الشعراء، والتي أعلن عنها على استحياء خلال شهر تموز 2015، على أن يتم الإعلان عن نتائجها في منتصف أيلول 2015، وقد تأخر إعلانها إلى منتصف كانون الأول 2015 لأسباب عدة، منها: ترتيب الرعاية لانشغال أمين عمان، وتوفير قيمة الجائزة النقدية على ضآلتها في كلا حقليها: (الشعر الفصيح) و(شعر البادية)، وبمراكزها الثلاثة في كل حقل، والتي لا تتجاوز بمجموعها تسعة آلاف دينار، أي بما لا يزيد عن أربعة آلاف وخمسمئة دينار لكل حقل، وقد بدا الارتباك جليا على إدارة الجائزة منذ بدئها.
ثم، لن أتكئ على ما اتكأ عليه غيري ممن ادعوا إما معرفة أو مناكفة الشاعر حبيب الزيودي، فلم تكن تربطني به علاقة شخصية، وإن التقيته مرارا صدفا، كان آخرها قبل وفاته ببضعة أشهر، وبمناسبة يوم الشعر العالمي في الجامعة الأردنية بتاريخ 21 آذار 2012، إلا أنه تجدر الإشارة في هذا السياق، بأن جائزة أدبية، تقوم عليها إحدى أضخم المؤسسات الوطنية، موازنتها المالية تفوق موازنة العديد من الوزارات، يجب أن تليق بالقامة الأدبية المحتفى بها من حيث القيمة المادية التي تنعكس جبرا على القيمة المعنوية، وأن تأتي الجائزة ترسيخا لنهج مؤسسي غير ارتجالي، وأن لا تكون لمجرد رفع العذر وذر الرماد في العيون والارتقاء على أكتاف الثقافة بما هو دون المكانة والمقام، أو لغايات آنية حصرا دون أن تتكرر في الأعوام القادمة، وتلك ظهرت إماراتها جلية من خلال نتائج التحكيم، فكان لمبررات حضور الاسم السهم الأكبر في تصنيف بعض القصائد الفائزة، من غير أن يرتقي رأي المحكمين إلى متون قصائد شعراء آخرين، فحلت قصائدهم في مراتب أدنى، ناهيك عن عشرات القصائد التي تم طرحها جانبا خارج المسابقة، ربما لأسباب لم تنظر إليها لجنة التحكيم على أنها شعر وأدب، لاختلاف توشحات الأسماء، وافتراق العلاقات الشخصية، وأستدل على ركاكة التحكيم، بلجوء المحكمين إلى مثاني ومثالث الجوائز ليجعلوها مناصفة، مما يضفي إما: عجز اللجنة عن الوصول إلى نتيجة قاطعة، أو بقصد استرضاء بعض الأسماء على حساب منافسيهم، وإلا فأي توافق بين الشعراء المشاركين ليكونوا على اقتراب في التماس مغازي الشعر، ولمس هواجس المحكمين ليأسروا ألبابهم إلى حد عدم قدرة المحكم على التمييز ما بين قصيدتين أيهما أولى بالمرتبة الأعلى من القصيدة الأخرى.
لست نادما كثيرا، فلقد عهدنا خوافي العمل الثقافي ونربأ بأنفسنا عن سلوكها، بل لست آسفا على عدم فوزي بإحدى الجوائز، فالأدب أسمى من النظر إلى القشور، وإن كنت لا أبرئ نفسي من استباق النظر للفوز معنويا وماديا، وهذا حق لأي شاعر، لا يثنيه أحد عنه، ولا يحرمه منه، غير أنني أدعي بأن مساهمتي جاءت إلى جانب زملاء آخرين -تحدثت معهم- بقصد توطيد مكانة الجائزة من خلال تعزيز المشاركة، لكن المأسوف عليه أن يتهاوى الأدب على أعتاب الركاكة، وأن تأتي الخدع لغايات سقيمة، ليس أولها، ولا آخرها كما أزعم، لا المرحوم “حبيب الزيودي”، ولا الأدب الأردني بكافة أجناسه، وما قدم للوطن من فكر نافح. فالذي اعتدنا رؤيته أن الفائز ليس هو الأعلى كعبا دوما. ولقد تبين، ولن يخفى أن وراء نتائج الجائزة على ضعفها أسرارها… فمتى ستكون ثقافتنا نزيهة.
ورب سائل يسأل: فيأتي الجواب بأنني، ومع الاحترام الشخصي الذي أكنه لجميع الشعراء والشاعرات، إلا أنني وكغيري من الزملاء، أعرف ويعرفون قدرة وسوية كل واحد وواحدة منهم ومنهن، وأعلم ويعلمون أن المحكمين كثيرا ما يميلون إلى النصوص الأسهل أخذا تخلصا من الأعباء النقدية… وجواب آخر على سؤال قد أسأله: أقول، لن يختلف رأيي لو كنت فائزا ما لم تكن الإدارة والتحكيم مغايرين لما جرى. فالإدارة لا تملي على المحكمين، والمحكمون لا ينصاعون للإدارة. فإن عتب علينا الأصدقاء المحكمون الذين نحترم أشخاصهم، أفلا سألوا أنفسهم عما قد يجر العتب عليهم.