تلقي #القصيدة_الشعرية في #وسائل #التواصل #الاجتماعي :
تسليع القصيدة واستلاب القيم مابين الضوء والعتمة.
د. ليندا عبيد / جامعة اليرموك
-المقدمة-
نعيش اليوم في عالم تهيمن عليه سلطة التكنولوجيا؛ إذ صارت الآلة والصورة تطغى على ثقافة الإنسان، وتقوم بدور الوساطة في الأنشطة الإنسانية كافة، إلى درجة أنها صارت تستحوذ على مدركات البشر لتحل محل سلطة الكلام في التخاطب والتواصل الاجتماعي الإنساني الفطري ليحيا الكل في بوتقة عالم افتراضي متخيل نتحرك به جميعا في شخصياتنا الوهمية المفترضة نتفاوت مابين الصدق والزيف ، وكأننا أبناء الآلة والولاء إلى الثورة المعلوماتية. وقد قال أرسطو ذات مرة: “إن التفكير مستحيل من دون صور” ونحن نعيش فعلاً في عصر الصورة – كما قال آبل جانس – وفي حضارة الصورة – كما قال الناقد الفرنسي “رولان بارت.
ومما لا شك فيه، ونحن نقف إزاء مدّ العولمة أنّ ذلك لابد سيؤثر على الثقافة، وستراجع القراءة الورقية لمصلحة المشاهدة، وذلك لأن الرؤية البصرية تتطلب عمليات معرفية أقل من القراءة رغم أن “الصور قد جاءت كي تثري الكلمات لا كي تحل محلها، وإن ما نراه الآن من طغيان هو طغيان ظاهري ومؤقت؛ فإن استعطفنا توظيف الصورة كما يجب في المرئيات البصرية؛ فإننا سندعم الفنون والثقافة، إذا ما عززنا ذلك بوعي مجتمعي ناضج للتعامل مع الثورة المعلوماتية ومدّ العولمة.
إن العولمة مصطلح جديد النشأة حديث العهد، وبالرغم من ذلك فقد دخل بقوة في ميادين حياتنا المعاصرة. وإذا كان المصطلح قد أسس له قاعدة واسعة في الخطاب الاقتصادي والتكنولوجي كما نصطلح اليوم على تسميته بالعولمة الاقتصادية، والعولمة التكنولوجية – فإن الثقافة هي الأخرى قد تبنته أيضاً، وأوجدت ما نسميه بالعولمة الثقافية، وتأتي الفنون والآداب في طليعة هذه الثقافة.
ورغم ما يطل من ذلك، من ألق وايجابيات إلا أن القلق يتسرّب من المقدار الكبير لدرجة الانجذاب نحو الآخر؛ مما يهدّد الهوية الحضارية نتيجة للتراجع في الظروف السياسية والاقتصادية، ويجعل الآخر متضخماً،
وبالتالي يستحوذ الأقوى على الأضعف فتغيب ملامح الخصوصية. وتعدّ الصورة من أقوى الوسائل الاتصالية التي تسهم في تشكيل شخصية الفرد، وتدفعه إلى تبني وجهات نظر معينة تعاطفاً أو نفوراً ليذوب في عالم الصورة لصالح القيم الاقتصادية التي تحرّك المرئيات .
-2-
يحوي مصطلح الثقافة البصرية مدى واسعا من الأشكال التي تمتد من الفنون الجميلة إلى الأفلام السينمائية وبرامج التلفاز بمسلسلاته الدرامية ، وصولا إلى وسائل التواصل الاجتماعية الجديدة ،مثل الفيس والانستجرام وغيرها التي توظف الكلام المكتوب والفيديوهات والصور التي تطل من شاشة زجاجية تسد مسد العين دون انفعالاتها الإنسانية لتقف في مواجهة المتلقي المعاصر ، عل اختلاف جنسه ولغته وثقافته وجنسه وانتمائه. فالإبصار هو الحاسة التي خلبت العقول، وتعد الأكثر ارتباطا بالفنون البصرية، وبإدراك الفن، إنهُ بمثابة “النافذة الكبرى” وتشبه العين آلة التصوير؛ إذ توجد بها طبقة حساسة تسمى الشبكية تنعكس عليها صور المرئيات، وكذلك حدقة تتسع من تلقاء نفسها تبعا لكمية الضوء ودرجة سطوعه، وتظهر الصور مقلوبة في الشبكية كما تبدو في فيلم آلة التصوير.
ولما كان العمل الأدبي خاصة والفنون عامة، نابعا من ذات أكثر قدرة على استشعار التفاصيل والانفعال بما يدور حولها رهافة وتوترا وفهما، إذ يقول أحدهم: “إنّ ما يمرّ به الناس مرّا يجرحني أنا، ويسفك دمي على قارعة الطريق”. وما دام مساحة المبدع لاختزان رؤاه ونبضه وإيديولوجيته إزاء ما ينفعل به في الواقع، فيكشف من خلاله دواخل ذاته، ويعرّي مجتمعه، إذ يرسم عالما متخيلاً على الورق كما يرتئيه ويحسه دون أن ينفصل هذا العالم بشخوصه وإحداثه عن مجريات الواقع، فإنّه بلا شك سيخضع لهيمنة ما يدور في الواقع المعاصر من استحواذ العولمة، وسلطة المرئيات على اختلاف أنواعها؛ إذ بدأ الأدب يؤثر ويتأثر، ويوظف من خلال هذه المرئيات مما أدى إلى انعكاسات سلبية وايجابية تترك ملامحها على فنونه. فاالشعر ديوان العرب ، يسجل أيامهم وحروبهم ، وتفاصيل مكانهم ، ويسجل قصص الحب والحزن والفرح ، ويرخ للماضي والحاضر والمستقبل ، ولصور الحياة والموت.