تقديراً للأم العاملة

تقديراً للأم العاملة

عبدالبصير عيد

تنطلق #المرأة بجرأة في خضم معمعة #الحياة، تقارع التحديات جنباً إلى جنب مع الرجل في سبيل وصول الأسرةِ إلى شاطئ الاستقرار، تحمل في داخلها أحلاماً لأطفالها ومستقبلاً يكبر في داخلها مع كل روحة وغدوة. تضحي بجسدها الضعيف فتجعل منه كتلةً من النجاح الذي لا ينضب ونبعاً للحنان ورمزاً للبذل والعطاء.

تُسابقُ الشمسَ قبل الشروق، تركضُ هنا وهناك توقظ الأولاد وتجهز الملابس والحقائب وتُعِدُ الطعام. تخوض معركةً صباحية مع الوقت وتتقدم إلى عملها بخطىً ثابتة وكأن النهار قد بدأ للتو.

تبدأ عملها بقوة ونشاط رافعة راية الإتقان متجهة بوصلتها نحو الإخلاص ثم الإنجاز.

إن #المرأة_العاملة لا تقدرُ بثمن وجُهدها وعطائها رمزٌ للعمل الدؤوب والعطاء المتكامل في الحياة. تتشابك الحياة بتكاملٍ فذ بين البيت والعمل لتُكوِّنَ نواة لمجتمعٍ تشع منه شموعٌ تنير مستقبل الأجيال وتنهض به الأمم.

قال الشاعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرســة إذا أعـددتــها      أعـددت شــعباً طـيب الأعــراق

كانت الأمُ مدرسة وستبقى مدرسة، إنما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، كانت تَصُبُ كلَ جُهدها في تربية الأبناء فأصبحت تُراوح في جهدها بين البيت والعمل، تحمل معها تجاربَ الحياة لأبنائها من واقع الأيام، ليست الفكرة بعدد الساعات التي تمضيها مع الأولاد بل بكيفية إدارتها لأبنائها وأسرتها، لتنتقل في العطاء من الكمِ إلى الكيفِ، دامجة بين التربية والتخطيط للمستقبل، تعمل بتناغم مستمر مع الرجل، لترسم حياة تنعكس على الأسرة بالتوفيق والازدهار.

إن الأم العاملة تملك من الرؤية والعطاء لابنائها ما يُميزها عن غيرها من الأمّهات. فالخِبرة التي تبنيها كل يوم وتمتزجُ مع عرقِ جبينها وتعبها تجعل منها أُمّاً للمجتمع بأسره.

وكل هذه التضحيات تتحول إلى تحديات لتستمر في التأرجح بين كفَّة البيت والعمل لتبدع جواً من الاتزان دون أن تطغى واحدة على الأخرى. فللأسرة مسؤوليات يحملها كل من الزوج والزوجة، يتوزع حملها عليهم بالاتفاق العادل، فأي خلل سينعكس سلباً على استقرار الأسرة وتربية الأبناء. فالهدف المنشود من الأسرة يجب أن يكون حاضراً نصب أعين الأبوين وهو الأبناء وتربيتهم، فهم أمانة بأعناقهم، يجب ألا تُهمَلَ هذه الأمانة، فكفة المنزل  هي الأثمن وهي الأجدر بالمحافظة عليها.

إن استقرار الأسرة وترابط أفرادها يعتمد بشكل كبير على الركن الأساسي وهو البيت الذي ينشأ على الحب والتعاون والتكاتف. ويعتبر كلاً من المرأة والرجل صمام أمان لتنشئة جيلٍ يخدم وطنه ومجتمعه. وكما يقال: “الوفق يعين على الرزق”. فكلما كان التوافق بين الزوج والزوجة كبيراً انعكس ذلك إيجاباً على الأبناء.

وكما تعلمون فإن الحياة مليئةٌ بالتحديات التي تُخلقُ بين الفينة والأخرى من مشاكل اقتصادية ومشاكل عائلية خارجية، يجب ألا تمتد على استقرار الأسرةِ. فالمشاكل الاقتصادية أصبحت حالة عامة تصيب الدول وتخدش المجتمعات وبالتالي  على الأسرة والفرد، وحل هذه المعضلات لا يجب أن يكون بزعزعة استقرار الأسرة وتشتيتِ شملها.

إن فهم الأم العاملة لهذه المشاكل يخفف  تأثير الأوضاع الاقتصادية السيئة على الأسرة ويخلق روحاً من التعاون المشترك في فهم المشكلة وحلها وتحمل أعباء التغيير الاقتصادي معنوياً ومادياً. إن ما يميز الأم العاملة هو روح المسؤولية العالية التي تمتلكها بشكل خاص وقدرتها على فهم الواقع ومواجهة التحديات المختلفة.

وفي الختام، على الأزواج أن يدركوا مدى التضحية التي تقدمها الأم العاملة في سبيل الحفاظ على الأسرة متماسكة قوية في وجه التحديات، ومدى المشقة التي تقدمها من وقتها وصحتها. وكما أن المرأة تضحي فعلى الأزواج أن يتنازلوا عن كبريائهم ويدعموا المرأة بالتخفيف من أعباء الأعمال المنزلية وتربية الأبناء. فكلُ ما نحتاجه الآن هو التعاون بين الزوج والزوجة للوصول إلى أسرة متماسكة تكافح في سبيل التقدم والنجاح. ولا يكون التعاون بالأمور المادية فقط بل بالجوانب المعنوية والنفسية أيضاً، لتكون مولداً إيجابياً للعلاقة بينهما، وتقديم النصيحة وتقبلها من كلا الطرفين لتأسيس حياة تبادلية مرنة وتوطيد العلاقة التشاركية وترسيخ الحب الذي يدوم مدى الحياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى