في الصميم

في الصميم
د. هاشم غرايبه

“هبه مصطفى” هي طبيبة مصرية هاجرت مع زوجها الى أمريكا قبل ستة عشر عاما، لمع اسمها مؤخرا كباحثة في جامعة “هوبكنز” عندما تمكنت وفريقها من تطوير فحص سريع للكورونا.
كثيرا ما نسمع أخبارا عن نجاحات حققها عرب ومسلمون بعدما هاجروا الى الغرب ، فانفتحت أمامهم فرص التفوق وإثبات الذات، بعد ان حرموا منها في بلادهم.
من يهاجرون الى الغرب الأوروبي أو الأمريكي أو الأسترالي، هم في الأصل ممن سدت في وجوههم سبل العيش الكريم، فكل إنسان خلق ليعيش في وطنه، لكن يجبر على ذلك عندما تكون الظروف في وطنه طاردة، يضطر الى الهجرة، لأن الفقر أو القهر في الوطن غربة، فعندما يهاجر ويتحقق له الأمان الاقتصادي والحرية والكرامة الإنسانية، تصبح الغربة له وطنا.
السؤال الهام هل الظروف الطاردة للمواطن مصنوعة من قبل النظام الحاكم، أم هي حالة طبيعية بسبب الإكتظاظ أوقلة الموارد.
ليس هنالك بلد في العالم لم يجعل الله فيه موارد للرزق تكفي سكانه، ابتداء بالاحتياجات الأولية كالماء والهواء والنبات وموارد الطاقة، وانتهاء بالموارد الطبيعية والثروات المعدنية، كما وزع العقول والمواهب بعدالة بين كل البشر، ليتمكن كل شعب بقدراتهم المحلية الاستفادة منها.
غنى بعض البلدان أو فقرها يتحقق بحسب حسن ادارة تلك الموارد، وصلاح القائمين على ذلك أو فسادهم، لذلك حينما تسود العدالة ويتولى المخلصون الإدارة تزدهر الأحوال، والعكس بالعكس.
العالم الجديد هو مصطلح استعماري، وأطلقه الغرب على المناطق التي استعمروها واعتبروها خالية من السكان، لكنها حقيقة أرض عمرها من عمر العالم القديم وسكانها أيضا، وما قضى عليهم إلا جشع الأوروبين الذين أبادوهم واحتلوا ديارهم، فنشأت الحاجة الى أيد عاملة وخبرات مهنية لإعمار تلك المناطق الشاسعة، لذلك شجعوا الهجرة إليهم.
من كانت حياته كريمة ومعيشته مستقرة، لا يفكر بترك بلده الى غيره مهما كانت المغريات، ولما كانت ديار الإسلام هي مخزن ضخم للقوى البشرية والكفاءات المؤهلة، يمكننا أن نفهم السر في أنها من بين كل بلدان العالم سلطت عليها أنظمة حكم قامعة للحريات ناهبة للخيرات.
في ظل جائحة الكورونا، أصبحت الحاجة ملحة لتوفر الكوادر الطبية، من أطباء ومن المهن الطبية المساعدة، وحدث نقص شديد في ذلك حتى في الدول ذات القدرات العالية، فكيف بالدول المتخلفة… لذلك وبسبب هذه الحالة الطارئة استنهضت كل الدول كل امكانياتها وشجعت هجرة الأطباء إليها، فتراكضوا إليها من دول العالم الثالث العربية والإسلامية.
أكثر الأقطار استجابة للهجرة كانت مصر، والتي تعاني منذ سبع سنوات من نظام حكم همومه أمنية محضة، فاهتم بتأليف قلوب الجيش والأجهزة الأمنية والقضاة، وأهمل كل القطاعات الأخرى.

قبل أيام أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، دراسة تضمنت تحليلا لأثر جائحة فيروس كورونا على قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة، وكان من أبرز ما أظهرته وجود نقص كبير بالقطاع الطبي في مصر.
وأرجع المركز هذا النقص إلى هجرة الأطباء للخارج والتي تزايدت عقب الموجة الأولى لفيروس كورونا، وقدر عددهم بنحو 7 آلاف طبيب.
الغريب أن راتب الطبيب المصري عند بداية التعيين هو 2500 جنيه (155 دولارا)، يرتفع عند الحصول الدكتوراه على نحو 5 آلاف جنيه مصري (315 دولار).
وللمقارنة نجد أن راتب ضابط الشرطة يتراوح ين 4 – 8 آلاف جنيه شهريا
وبعد مطالبات بعلاوة بدل العدوى للأطباء، أصدر “السيسي” (مكرمة) بقيمة 500 جنيه (نحو 30 دولارا)، وما يصل منها الى الطبيب فعليا 200 فقط .
والمثير للدهشة أن فئةً مثل القضاة تتقاضى 3 آلاف جنيه شهريا كبدل عدوى، رغم أنها ليست معرضة لهذا الخطر مثل الأطباء.
وقد صرحت وزيرة الصحة أن المشكلة ليست في نقص الأطباء، فهنالك 213 ألف طبيب مسجل، لكن ليس في مصر منهم سوى 38 % وان 62 % خارج مصر، يعمل في وزارة الصحة منهم 57 ألفاً، بينما الحاجة ماسة الى 110 آلاف.
على أن الظروف العامة للحياة أصبحت طاردة أكثر من نقص الرواتب، فالشعب المصري عموما والأطباء خصوصا متمسكون بالإسلام، وذلك يضعهم تحت طائلة الشبهة من الأجهزة الأمنية التي تعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، مما يدفع العديد منهم بسبب التضييق الى انتهاز أية فرصة عمل خارج مصر للنجاة من رعب الاعتقال أو التصفية الجسدية.
النظام السياسي الفاشل، يفرغ الوطن من الكفاءات، لأنه يجعل المواطنين غرباء في وطنهم، لذلك يبحثون عنه في المهجر.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى