تعبت / جمال الدويري

تعبت …
ان احمل معي دائما ميزان الكلمات ومقصها، كي اقيّفها بالنَفَسِ او جزءه، على قدر المستمع او الجهة او السلطة، قبل ان اطلق لها عنان الانعتاق من قيد الفكر وصندوق الصدر،
تعبت من مراقبة الأعين الشاخصة لالتقاط حديثي او خلجات ذاتي ونبض لساني، كي اقيس وقع الكلم على صواوين الاذان المتجهة نحوي، مثل رادارات عسكرية حساسة متأهبة للرد السريع قبل تحليل الهدف وتحديد ابعاده المرئية وغير المرئية،
ولقد تعبت، من سوء النوايا ومكنونات الأنفس، والأحكام المعلبة، مثل وجبة فاسدة، يفتل على اطراف عبوتها مفتاح خبيث او صاحب اجندة او يعقوب اعتاد على نسج الخيال واقتطاف الغايات غير البريئة،
وتعبت حتى، من عبارات الثناء ودغدغة المديح البارد، الساقطة بفعل قانون الجاذبية الأرضية، مثل اوراق الخريف التي جفت عروق نضاره، فهوت بلا مؤثر او تأثير،
نعم…وأم الكوارث، وعظيم الجوائح، انني تعبت جدا من فقدان الثقة بالأشياء والأشخاص والمعاليم والمجاهيل، وبت اخشى الظل والليل والعتمة وانطفاء الشمس والسكون والجلبة ووقع الخطى ونقر الخطوات على جدار الوجدان،
وتعبت جدا من بعثرة نفسي وروحي وصورة مراتي، ومحاولاتي الدائمة المجهدة، للملمة الشظايا ودرء احتمالية جرح احد بها او اذية نملة اختارت هي، المرور الى جانب الحطام،
وتعبت جدا، من انتفاء الامكانية، من ان اكون انا كما انا، كما خُلقت وترعرعت وتأدبت، وانا لن اكن اذا لم اكن انا النفاق والتلون بات يقتلني لأن الله لم يخلقني حرباء او متلونا او متقلبا او (نذّاخا) حسب الطلب،
احاسيسي ومشاعري، لم تعد تحتمل ريشة مزور وخالق جمال ليس في صورة الواقع، وزهاء لا يولد الا من غش الألوان والخطوط الافتراضية الوهمية،
متمرد ومنضبط انا، صرصر انا عنيف، ونسمة لا تكاد تحرك عود ريحان غض او نعنعة واهية، لا شيء انا وكل شيء،
لقد تعبت وأتعبت، من كل حدب وصوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى