تساؤلات في مشهد عالمي مرتبك

#تساؤلات في #مشهد_عالمي #مرتبك

#فؤاد_البطاينة

العالم اليوم بلا نظام سياسي يحكم إيقاعه. والمبادئ السياسية والضوابط الكابحة لتصادم استراتيجيات تحقيق الأهداف المتضادة تتبخر، خرجت من الخدمة. ولا توافقات من أي نوع في مصالح الكبار تلوح بالأفق. الرؤى والمصالح المتناقضة تفكك التحالفات الدولية وتنهي بيئتها. فكل شيء في العالم اليوم معوم كما تعوَّم العملة. والديمقراطية كمفهوم وممارسة تواجه خطر التآكل في انحاء العالم. والعالم يتعسكر وسباق التسلح ينشط بقوة ويحتل رأس الأولويات في زمن تحديات الأمراض والمجاعات القادمة وكوارث الطبيعة. وقد نشهد عهد الدكتاتوريات والجيوش تتولى قطاعات البناء والزراعة والاقتصاد كما تتولى قطاعات الصناعة الحربية، وقد لا نرى نظاما دوليا لعقود قادمة.
النظام الإمبريالي الأمريكي يُستخدم مباشرة من الإدارة الصهيونية العميقة للعالم كيد تنفيذية. هذه الحكومة العميقة للمنظومة الدولية والمستوطنة في الولايات المتحدة وبما تمتلكه هي وراء كل ذلك وصانعة الحرب في أوكرانيا واستدامتها بنتائجها الكارثية على أوروبا والعالم. انساق اليها بايدن دون تفكير بمصلحة أمريكا وأوروبا والإمبريالية، وأجبر عليها بوتين دفاعا عن النفس، فالكل بالنتيجة مُسير. إنها تبدو حرب القَرن جاءت لتطول وتصنع حقائق جديدة في العالم. وكأن النية بدأت ملامحها من لحظة استقدام ترامب بأيدولوجيا سياسية تبدو رعناء، ليليه بايدن باستكمال المشوار الجديد مستفيدا من تراكمات سلفه المجنونة والبناء عليها.
فماذا عسى الصهيونية وإدارتها الخفية للشأن العالمي تريد من استهداف أمريكا وأوروبا بالإستخدام. ومن الإنفلات الدولي وإسقاط القيم السياسية المستقرة، ودحر مصالح الشعوب أمام أسلحة التدمير الشامل المتزامن مع صعود التغيير المناخي ومخاطره. هل هي الفوضى العالمية الخلَّاقة، وإلى أي مدى وهدف. هل لها مصلحة في حرب عالمية أم لها القدرة على توجيهها وضبط محدوديتها، أم هي قادرة على منع حدوثها؟ وهل وصلت لقناعة بفشل مشروع “اسرائيل الصهيوني “أو بانتهاء دور اسرائيل، أم هي تعززه. فهناك من يعتقد بأن الحرب في أكرانيا واستدامتها مرتبط باكتشافات الغاز في المتوسط لمد الإطباق الصهيوني الغازي على أوروبا، ويمكن ربط هذا مع تشغيل مطار رامون باستيعاب اربعة ملايين مسافر. كل الأسئلة مطروحة ولكن المنطق يقول، أن الدولة الصهيونية العميقة تسعى لتحقيق هدفها النهائي وتتصرف كمالكة لوكالة إلهية في حكم وتسير العالم بنهج العبودية، تعتبره منزل عليها.
الأهداف عندما تتحقق تتحول إلى وسائل لأهداف أكبر، وهكذا لا تنتهي. إن العامل الإقتصادي بركني الطاقة والعملة هو السلاح الرئيسي للدولة االصهيونية العميقة وقد دأبت على استخدامه بأيدي الدول الكبرى الإمبريالية كمقذوف سياسي يوجه حصرا نحو دول العالم الثالث و دول أعداء الإمبريالية للتأثير على قراراتها السياسية. هذا السلاح يُنزع اليوم منها ويوجه إليها بما يشبه الإنقلاب السياسي العميق يجيء في إطار الحرب في أكرانيا واستدامتها، فالطبيعة السياسية لهذه الحرب لا تنفصل عن استدامتها..
الشعوب الأوروبية المترفة لا تقايض برفاهيتها ونمط حياتها فكيف تستبدلها بمعاناة لم تألفها. ولا حكوماتها الديمقراطية ستتحمل نتائج القفز عن رغبات شعوبها لكارثيتها عليها. وهذا ما يعيدنا لتساؤل سابق يخص الهجمة “الإسرائيلية” على غاز المتوسط. وأقول أن العقل الجمعي الأوروبي لا يبتلع أنصاف الحلول ولا يقتنع ببديل غير أمن للطاقة ولا يركن إلى الإعتماد على طاقة منهوبة من فلسطين كمنطقة محتلة وقابلة للإنفجار بأي لحظة. ولكن بالمقابل هل سينتهي الإحتلال بنظر الدولة العميقة لفشله أم الى ضرورة دفنه في مكانه لينطلق ً المشروع الصهيوني إلى العالمية على يد ذات الدولة العميقة؟
أعود، كالكثيرين لا أتوقع وجود مستقبل لأحادية القطبية ولا لثنائية القطبية ولا الصين تخضع للقطبية. إنها تنظر للفكرة الأوراسية من خلال فتحها طريق حرير جديد، والروس ينظرون للفكرة كأداة عزل سياسي\عسكري لأمريكا عن أوروبا وإدماج اقتصادي قاري واحد. فهل الدولة الصهيونية العميقة تستهدف أوروبا أم تستهدف تحالفها مع أمريكا أم هو مجرد استخدام، أم تستهدف فكرة الناتو ولماذا وإلى أين الوصول. وبالتالي هل الفكرة الأوراسية موجودة في تكتيكات الدولة العميقة؟ وماذا تستفيد من عالم متعدد الأقطاب ومتصارع كبديل يفرض نفسه، أليست هي باتجاه تشكيل حالة تصلح كمحطة انطلاق لنظام ترنو اليه. أجوبة يفترض أن تكون في ملفات روسيا والصين.
وعلى هامش المقال أين العرب؟ مسيرة حكامهم منذ الحرب الأولى هو تاريخ تعامل مع مراحل معزولة عن بعضها، يخططون لحياتهم في الدولة وليس للدولة في حياتهم، فعمر الدولة بالنسبة لهم هي أعمارهم الشخصية وكله في غياب الديمقراطية لصالح العمالة. الأحداث الدولية لا تعنيهم وسياستهم هي خدمة أمريكا والإحتلال. يترجمونها في إضعاف دولهم والحفر للمقاومة الفلسطينية. بينما شعوبنا انتهت تنظر لإيران وحزب الله، لا سيما في ظل الواقع العربي والنخبوي الفاسد، فلم يعد لها من تتقاطع مصالحها معه سوى إيران وحزب الله بعد أن تخلت عن مسؤولياتها كل شقيقاتها الإسلامية. ايران وحزب الله يشكلان العدو الوحيد لإسرائيل والاحتلال، ولكنّا نلحظ مرونة غربية أمريكية إزاء تنامي حزب الله وبقائه Untouchable، وإزاء إيران بعدم النية في المساس بقوتها. فهل هذا في سياق ما ترسم له الدولة العميقة لصياغة عالمها، أم في سياق استبقاء الإبتزاز والحشد لحكام العرب ودولهم في معدة إسرائيل؟
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى