تريز هلسه

تريز هلسه
د. معن علي المقابلة

ترقد على سرير الشفاء تريز هلسه بنت الكرك المولودة في البلدة القديمة في مدينة عكا شمال فلسطين ، فوالدها هاجر من الكرك الى عكا سنة 1946م وتزوج من ام تريز ناديا حنا من قرية الرامة في الجليل الأعلى ليكون اسرة اردنية من ناحية الاب وفلسطينية من ناحية الام ، الكتابة عن تريز هلسه لا يضيف لمناضلة بحجمها كانت مستعدة ان تقدم روحها في سبيل فلسطين شيئاً ، هذه السيدة التي امتهنت اكثر مهنة انسانية وهي التمريض ، اضطرت لحمل بندقيتها لتقاوم المحتل الصهيوني الذي احتل بلدها ونكل بشعبها بكل همجية وارهاب.
اكتب عن هذه البطلة التي كادت ان تُردي رئيس وزراء الكيان الصهيوني الحالي بنيامين نتنياهو الذي يتبختر في مشيته كالطاووس امام الزعماء العرب ، واذا تكلم انصتوا وكأن على رؤوسهم الطير قتيلا ، عندما اقتحم الطائرة مع مجموعة من الكوماندوس التي اختطفها مجموعة من الفدائيين من بينهم تريز فأصابته بكتفه في تبادل لإطلاق النار لتحرير الرهائن الاسرائيليين من الطائرة سابينا البلجيكية في مطار اللد ، فلو اعتلت رصاصة تريز سنتمتراً واحداً بل بضع مليمترات عن كتف نتنياهو لما عرف العرب والعالم اسم نتنياهو ولأصبح مثل اخيه يوناتان الذي قُتل في عملية مشابهة لتحرير رهائن في عنتيبي في اوغندا ، مجرد جندي في الجيش الصهيوني تم قتله كغيره من الاف الجنود الذين قتلوا في المعارك التي خاضها هذا الجيش ، ولكن ما دفعني للكتابة عن تريز هذه الانجازات لقادة الكيان الصهيوني التي اهلتهم ليتبوؤوا مواقعهم.
حقيقةً عندما تستعرض قادة الكيان الصهيوني منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا تجد ان قياداته السياسية الذين قادوا هذا الكيان قدموا اسهامات حقيقية في تأسيس هذا الكيان والمحافظة على امنه ، عبر المواقع التي خدموا فيها وكانوا على استعداد ان يفقدوا حياتهم في سبيله فأهلهم ليقودوا هذا الكيان لمزيد من الأمن والقوة ، فاستحقوا شرعية الانجاز ليؤهلهم بعد ذلك لشرعية الصندوق ، فمنذ اول رئيس وزراء لهذا الكيان وهو بن غوريون الذي قاد منظمة الهاغانا ولعب دوراً كبيراً في تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ، وهذا رئيس وزراء اخر اسحق شامير الذي تزعم منظمتي ارغون وشتيرن اللتين ارتكبتا مجازر مروعة بحق الفلسطينيين لإجبارهم على ترك منازلهم ، كما شارك في محاولة اغتيال علماء المان في مصر كانوا يحاولون تطوير اسلحة حديثة فيها ، بينما نجد مجرم اخر كرئيس الوزراء مناحيم بيغن الذي اسس منظمة ارغون الارهابية التي ارتكبت مذبحة دير ياسين كما شارك في اغتيال فولك برنادوك رئيس الصليب الأحمر الذي ارسلته الأمم المتحدة وسيط سلام بين العرب واليهود ، الى رابين “رجل السلام” عند العرب الذي خدم في الهاغانا وكان له دور كبير في التطهير العرقي للفلسطينيين ، وإيهود باراك الذي خدم خمس وثلاثين عاماً في الجيش وخرج برتبة عميد ثم اصبح رئيساً للوزراء قاد عملية “فردان” او “ربيع الشباب” كما سماها الكيان الصهيوني في بيروت سنة1973م والذي قُتل فيها ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية هم كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد النجار ، ويقال بان باراك تخفى بثياب امرأة ، وارييل شارون الذي قدم الكثير لهذا الكيان ، الا ان هاتين الشرعيتان شرعية الانجاز وشرعية الصندوق لا تمنحهم حصانة دائمة ، ففي هذا الكيان غير مسموح الخطأ او بمعنى ادق استغلال السلطة لمكاسب شخصية مهما صغرت ، لإدراك دهاقنته ان امن هذا الكيان قائم على الاخلاص له وتفعيل القانون على الجميع ، بغير ذلك لن يصمد في هذا المحيط المعادي لوجوده.
تصيبني نوبة من الضحك الهستيري عندما اسمع بعض المنافقين او المنتفعين او ما أُخذ يعرف بالسحيجة ممن يبرر لهذا الزعيم العربي او ذاك بقوله اذا لم يكن هذا الزعيم جاء عبر شرعية صناديق الاقتراع في ظل نظام ديمقراطي ، فان انجازاته تعطيه الشرعية ، فيما اخذ يعرف في عالمنا العربي المبتلى بزعاماته “بشرعية الانجاز” ، وهذا الانجاز ليس الانتصار في معركة ضد العدو او تصدر هذه الدولة العربية او تلك قائمة الدول في التعليم او الصحة او الاختراعات ، او البحث العلمي بل شرعية الانجاز في هذا الزمن العربي الرديء هي ان تحظى بالأمن في بلدك بحيث لا يقتلك احدهم لأتفه الاسباب او يقتحم عليك بيتك لهتك عرضك او سلبك ، او ان تجد شارع شبه محطم تسير عليه ، او مقعد في مدرسة لابنك ، او سرير او قرص دواء في مستشفى ، هذا هو قمة انجاز هذه الزعامات إن استطاعت ان توفرها ابتداءً!.
سيبتلع هذا الكيان فلسطين كاملة ويُهيمن على منطقة الشرق الاوسط بصفقة ترمب المسماة بصفقة القرن او بغيرها ، ما دامت هذه الكيانات العربية التي تحيط به تُحكم بنظم دكتاتورية تنتمي للعصور الوسطى ، وما دمنا نُسقط خيار تريز هلسه وهو خيار المقاومة بكل اشكالها ، فلم يعد هناك خياراً للشعوب العربية ولا اقول الأنظمة اذا ما ارادت ان تلج هذا العصر بكل تفاصيله وثوراته المعرفية التي لن تتوقف إلا اخذ زمام المبادرة وارغام هذه الأنظمة ان تتخلى عن نهجها في ادارة الدولة ، والدخول بإصلاحات عميقة في بنية الدولة وان تَطَلب ذلك عمليات جراحية معقدة ، بغير ذلك سنصبح عمال بالسخرة لدى هذا الكيان.
أخيراً وليس آخراً ، تريز هلسة الغير نادمة على ما قامت به قبل خمسة عقود ، نسأل الله تعالى لها الشفاء العاجل وان تعود الى اسرتها الصغيرة واسرتها الكبيرة الممتدة على مساحة الشرف والكبرياء في هذا العالم المثخن بالأنين والظلم.
د. معن علي المقابلة
باحث وناشط سياسي/الأردن
Maen1964@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى