تدخل بريطانيا لصالح ترامب / داود عمر داود

تدخل بريطانيا لصالح ترامب
جاء انتقاما من اوباما وكلينتون لإحتقارهما الانجليز
سأل أكاديمي ومفكر أمريكي صديقا عربيا له، تربطه به علاقة زمالة قديمة، عن رأيه بمجريات انتخابات الرئاسة الامريكية. أجابه المراقب العربي المخضرم: (لو كنت عربيا، لا أحب أمريكا وأضمر لها الشر، لأعطيت صوتي الى دونالد ترامب، ولو كنت أمريكيا وطنيا، أحب بلادي، لأعطيت صوتي الى هيلاري كلينتون). معنى هذا القول: أن من يكره أمريكا يؤيد أن يأتيها رئيس على شاكلة ترامب، ومن يحبها يؤيد أن تفوز كلينتون، على اعتبار أن مجىء ترامب ليس في صالح أمريكا.
تأثيرات روسيا وبريطانيا على الانتخابات
حتى قبل فوز ترامب، تواترت الاخبار حول التأثيرات الخارجية على الانتخابات الأمريكية. وكان تدخل روسيا هو الأوضح، عن طريق إضعاف حملة كلينتون، بفضيحة البريد الاليكتروني، والوصول الى نتيجة فوز ترامب. وهناك أطراف اخرى تمنت هذه النتيجة، التي ارادها فلاديمير بوتين. ونجد هنا أن مصالح روسيا ربما تكون قد تقاطعت مع مصالح بريطانيا، التي تدخل أحد سياسيها مباشرة لصالح ترامب، وفي وضح النهار، بينما كان تدخل روسيا في الخفاء.
نايجل فرج: سياسي بريطاني من أصل عربي
جاء تدخل بريطانيا لصالح ترامب بواسطة نايجل فرج، مؤسس ورئيس “حزب استقلال المملكة المتحدة”، الذي تزعم حملة خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي، ثم لعب بعدها دورا مهما في حملة ترامب. يبلغ فرج 52 عاما من العمر، ويقول انه ينحدر من أصل فرنسي. لكن اسمه يدل على غير ذلك، إذ يقول بعض الجزائرين في بريطانيا إن أصل نايجل عربي من الجزائر، هاجرت عائلته الى فرنسا ثم الى بريطانيا. ويؤكد هذا اسم “فرج” الدارج في شمال افريقيا.
دخل نايجل عالم السياسة في بريطانيا، اوائل التسعينات، عندما شارك في تأسيس حزب الاستقلال، الذي كان هدفه الاساسي الدعوة الى انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي. وانتخب عضوا في البرلمان الاوروبي عام 1999. ثم ترأس حزبه، عام 2006، الذي عمل على مدى 23 عاما لتحقيق الانفصال. لذلك قال نايجل، عقب ظهور نتائج استفتاء، حزيران يونيو 2016، بالخروج من الاتحاد: “آن الأوان أن أحلم ببزوغ فجر بريطانيا المستقلة. لقد استعدنا بلدنا”. وقد لعب نايجل دورا محوريا في الاستفتاء، وعُرف بخطبه النارية التي كانت تتصف بالمبالغة، وتصل حد الكذب والخداع، لاقناع الناخبين بالتصويت لصالح الخروج.
دور نايجل في حملة ترامب
وما أن حقق نايجل حلم حياته على المستوى الداخلي، بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي، حتى تحرك فورا للعمل على المستوى الدولي، فتوجه صوب الولايات المتحدة، حيث كانت انتخابات الرئاسة في ذروتها. فزار دونالد ترامب، وشارك في حملته، وألقى خطابا داعما له، بولاية مسيسيبي، أمام 15 ألفا من مؤيديه، الذين رحبوا بحفاوة بنايجل كونه أول سياسي بريطاني يتدخل علنا في انتخابات أمريكية. وقد اشاد ترامب بنايجل ووصفه بـ “الرجل الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي”. ورد نايجل، وسط تصفيق الآلاف له، انه لو كان أمريكيا فلن يصوت لصالح كلينتون “حتى لو دفعت له مقابل ذلك”. وقارن بين خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي وانتخاب ترامب رئيسا. كما حضر مؤتمر الحزب الجمهوري، وقدم النصائح لحملة ترامب، من واقع تجربته، بأن تركز على استقطاب الناخبين الذين لا يصوتون في العادة. واخبرهم أنه استطاع استقطاب 2.5 مليون ناخب، ممن لا يصوتون أصلا، للمشاركة في استفتاء بريطانيا. وكانت هذه احدى التكتيكات التي اتبعتها حملة ترامب في الاشهر الاخيرة.
الانتقام من اوباما وكلينتون لإحتقارهما الانجليز
بعد فوز ترامب، زار نايجل فرج أمريكا، وقال بعد اجتماعه مع الرئيس المنتخب: (إن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يعني فرصا عالمية هائلة. وأول ما ينبغي على المملكة المتحدة أن تبدأ به هي الولايات المتحدة مع دونالد ترامب). وكشف أن ترامب سيعطي اولوية في التبادل التجاري لبريطانيا، ووصف ذلك بأنه تغيير ايجابي عما كان يفعله اوباما وكلينتون، اللذين، كما قال، “كانا ينظران الينا (إلى الانجليز) نظرة احتقار”. وقد برزت أصوات برلمانية في بريطانيا تدعو لمكأفاة نايجل بمنحه لقب “لورد”، على نجاحه مع ترامب.
تلاقي فكري بين نايجل وترامب
لقد استهوى ترامب المخاضُ الذي يجري في عموم اوروبا، والذي ربما يؤدي الى تغييرات سياسية جذرية في القارة العجوز وفي العالم، خاصة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي. كما استهوت نايجل فرج التغييراتُ التي يدعو اليها ترامب في أمريكا. ولهذا التقى الاثنان فكريا، لدرجة أن طلب ترامب أن يتم تعيين نايجل سفيرا لبريطانيا في واشنطن، ليكون قريبا منه. وهذا أمر مستغرب في الأعراف الدبلوماسية. فردت لندن بالاستهجان والرفض. ولم ييأس ترامب وقرر أن يعين نايجل مستشارا “غير رسمي” له، كما اعلن مقربون من الرئيس المنتخب.
الخلاصة إذن، أن سياسة العجرفة، التي اتبعتها الادارات الامريكية المتعاقبة، لا تجلب لواشنطن إلا مزيدا من الخصوم. فها هو اوباما، في آخر مؤتمر صحفي له، يؤكد هذه النظرة الدونية للقوى الاخرى، حين وصف روسيا بأنها دولة من الدرجة الثانية لا تملك سوا “الغاز والنفط والسلاح”. فنهج أمريكا، في التكبر والتعالي، يستعدي عليها قوى اخرى فاعلة في العالم، مثل روسيا وبريطانيا وغيرهما، لدرجة تقود للرد والانتقام، الخفي والعلني، كما حصل في التدخلات لصالح ترامب. فبوتين يرى أن كلينتون هي من تدخلت أولا في بلاده، بعد انتخابات الرئاسة الروسية عام 2012، محاولة زعزعة استقرارها، فانتقم منها. ثم جاء السياسي البريطاني نايجل فرج ليكشف أن سبب تدخله في الانتخابات، لصالح ترامب، هو “نظرة الاحتقار” التي يحملها اوباما وكلينتون للانجليز. والنتيجة هي عودة الدول الكبرى الى صراعات الماضي. فهذا هو لعبُ الكبار، فأين لعبُ الصغار؟
داود عمر داود / محلل سياسي
daoud@shorouq.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى