تحت الضوء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

بعد العدوان الغربي الشرس على القطاع، تدحرجت الأحداث، وربما خرجت عن الإطار الذي كان الأوروبيون يرغبون فيه، إذ كان همهم محصور بتأمين الكيان اللقيط، وطمأنة المستعمرين القاطنين فيه إلى أن الغرب معهم ولن يتخلى عنهم، لأنه معروف أن من يغتصب حقا لا يغمض له جفن ما دام صاحبه متمسك بحقه.
نجح الغرب بالترهيب والترغيب في تركيع الأنظمة العربية السياسية (ومن ضمنها سلطة أوسلو)، متمثلا ذلك بتوقيعها سلسلة معاهدات (سلام) تعترف فيها لمغتصبي الأرض بأنها لهم، واعتقدت أنها بذلك سترغم أصحاب الأرض على القبول بالأمر الواقع والتخلي عن مطالبتهم بأرضهم، لأجل تثبيت هؤلاء المهاجرين في هذه الأرض وإقناعهم بالبقاء فيها على أنها وطنهم فعلا.
لكن موقعة الطوفان جاءتهم من حيث لم يحتسبوا، وقلبت كل حساباتهم رأسا على عقب، إذ أزالت حالة الطمأنينة الخادعة التي كانت توحي لمغتصبي الأرض بأن العرب خانعون مستسلمون، ولن يجرؤوا على مهاجمتهم يوما، فها هي فئة كانوا يظنون أنها ضعيفة كونها محاصرة منذ عشرين عاما، تجرأت على كسر ذلك الوهم، ونالت منهم نيلا كبيرا بعد اذ أسرت عددا منهم لتقايض به على الأسرى.
أمر الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لا يهمهم، فالإمكان اعتقال اضعافهم في اليوم التالي، بل كسر الهيبة التي صنعوها نتيجة تخاذل المتخاذلين، وألأهم من ذلك أن هذا الطوفان الذي أنشأته هذا الموقعة جارف طاغٍ لا قبل لأحد بصده، كونه يعتمد العقيدة – السلاح الأمضى، الذي انتصرت به الأمة طوال تاريخها، وهي التي ظلت مستهدفة من قبلهم منذ أن نجحوا بكسر شوكة الدولة الإسلامية قبل قرن، وانصبت جهدهم طوال هذه الفترة على تجريد الأمة منها.
من هنا نفهم سر ذلك الهلع الذي ألمّ بالغرب في السابع من تشرين، وما زالت أوصالهم ترتعد من احتمالية تكراره، فرأيناهم هبوا هبة رجل واحد لنجدته، وبصورة لم تحدث قبلاً، يقدمون الدعم السخي، ويجيزون لقادة الكيان فعل كل محظور، وتجاوز أي عرف أو قانون للبطش بهؤلاء الذين فعلوها، فأطلقوا على الفعل العسكري الذي قام به المقاومون إرهابا، وطالبوا كل مسؤول في العالم أن يبدأ أي حديث أو تصريح مهما كان موضوعه بإدانة هذا الهجوم بشدة، وبرروا قتل المدنيين العزل وتدمير بيوتهم وحرمانهم من الماء والدواء، على أنه دفاع عن النفس، الأمر الذي لم يحدث طوال تاريخ الصراعات البشرية.
انقسم النظام الرسمي العربي إزاء ذلك قسمان: الغالبية الساحقة رضخت، منها ما كان منغمسا حتى قمة رأسه في التبعية لدرجة انفصاله عن هم أمته، فالتزم تماما بإملاءات المستعمر، وسمى المقاوم إرهابيا، ليخلي مسؤوليته الشرعية والقومية تجاه نصرته، ومنهم من اكتفى بالتخلى عن ذلك الواجب، وبمناشدة المجتمع الدولي بوقف اطلاق النار.
الأقلية كانت من المضغوط عليهم أمريكيا للإلتحاق بالركب الأول، والتخلي عن شعارات الصمود والتصدي التي تعتاش عليها أمام شعوبها حتى تبقى متمسكة بالسلطة، لكن أمريكا لا تقبل منها حتى ذلك، بل أن تعلن صراحة أنها كالفريق الأول راضخة قابلة بكل الاملاءات، وبذلك يطمئن قاطنو الكيان اللقيط الى عدم وجود من يدعم المقاومين الإسلاميين الذين بقوا وحدهم في الساحة رافضين التسليم بحق المستعمرين في الاستيلاء على أرضهم، فيصيبهم الإحباط ويتخلوا عن المقاومة.
لمّا كان حزب الله هم من هذه الفئة القليلة التي تعلن دعمها للمقاومين، وهي تعلم أن الدور القادم سيكون عليها، لذا فضّل قادتها المبادرة بدعم المقاومة معنويا، بإطلاق بضعة مقذوفات يوميا، هي ليست بتلك التأثير الذي يدفع العدو للرد بقوة، لكنها ترفع من معنويات المقاومين.
عندما أيقن قادة الكيان بفشلهم في القطاع، ولدرء سقوط الحكومة لو تمت صفقة التبادل، لجأوا الى التصعيد في الشمال بعمليات اغتيال يعلمون أنها ستجبر حزب الله على رفع الوتيرة.
يبدو أن نصر الله أحس مؤخرا بخذلان حليفيه في سوريا وإيران له، فقام باستعمال صواريخ (فادي) الموجهة السورية الصنع، للتنبيه الى قدرة سوريا الى حذو حذوه وعدم الاكتفاء بالاحتفاظ بحق الرد بديلا عن الرد.
الآن يتخوف الجميع من المجابهة المباشرة للعدو مع حزب الله، لأن ذلك قد يقلب الأوضاع المستقرة التي وفرتها الأنطمة للكيان اللقيط، لذلك أعتقد أن أمريكا لن تسمح للأمور بالوصول لذلك.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى