تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآيتين 3 و4 من سورة الزخرف: ” إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ”.
كما يقول تعالى في الآية 55 من سورة المائدة: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ”.
قرنت بين هذين الموضعين في كتاب الله، كمثال على ليّ أعناق الآيات الكريمة لكي توافق هوى البعض، فيوردونها كدليل شرعي على صحة ادعائهم.
لقد جاء بذلك من ابتدع قضية الولاية في الدين، وقال بأن الولاية على الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وذريته من بعده.
أول دليل على بطلان زعمهم، أن علياً وهو الأعلم منهم بالقرآن ومراداته لم يقل بذلك أبدا، بل كل ما قيل في هذا الموضوع كان بعده، وعلى أزمان متعددة.
أما الآية الرابعة من سورة الزخرف، فالواضح من السياق أن الحديث هو عن القرآن الكريم وليس عن شخص، فالهاء في إنه ضمير متصل تعود على أقرب اسم معرف سبقها، وهو هنا (قرآناً)، ولا يستقيم المعنى إلا ان كان مكانة هذا القرآن العلية عن أي كتاب سماوي آخر، والتي جميعها محفوظة في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ .
لذلك لا يصح أبدا القول أن هذه الآية نزلت في “علي” على أنه مسجل في أم الكتاب أنه حكيم.
أما في آية سورة المائدة، فهي تحدد من هم الذين يجب أن يتولاهم المؤمنون، ولا يوالوا أحدا غيرهم عليهم، والولاية هنا هي الرعاية والعناية من قبل الولي، بدليل قوله تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ: [البقرة:257]، أي ان المؤمنين، ولأنهم اتخذوا الله وليا ومستعانا، فهو لا يخيب ظنهم فيه، لذا يتولاهم الله برحمته، فيهديهم الى سبيل الرشاد، فيفوزوا فوزا عظيما، ولا يتولى الكافرين بل يتركهم للطواغيت الظلمة جزاء إعراضهم عن هديه، والذين سيودوا بهم الى التهلكة.
إذا فالله هو ولي المؤمنين، لكنه في هذه الآية قرن رسوله بذاته العلية بالولاية، لأن من يتبع الرسول ويطيعه فهو مطيع لله حكما، ولأنه تعالى لم ينزل هذا القرآن مقتصرا على زمن الدعوة، فقد أضاف العلماء المخلصين في كل الأزمنة القادمة ليظلوا الهداة المرشدين للأمة، لأن العلماء ورثة الأنبياء، بالطبع ليس في النبوة، بل بالأخذ عنهم والاسترشاد بعلمهم.
الذين قالوا بأن هذه الآية نزلت في “علي” هو خوض في آيات الله بغير علم وليّ لأعناقها، فجاءوا بقصة أن عليا كان يصلي في بيته حينما جاء سائل يطلب صدقة، فمد علي يده وهو في الركوع بخاتم في أصبعه ليأخذه السائل، ولذلك لتوافق القصة قوله تعالى “وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” .
القصة من أصلها رواية، وليست حديثا نبويا لا يناقش متنه، وما ينقضها من أساسها:
1 – ان “عليا” التقي الورع لا يقطع صلاته لدخول سائل، وليس السائل على عجلة، بل الوقت الطويل، ولا يمكن لهذا السائل أن يطلب الصدقة وهو يراه قائما يصلي، بل ينتظر دقيقة لحين تسليمه.
2- لقد ذكر تعالى “الزكاة” وليس الصدقة، وهنالك اختلاف كبير بينهما، فالزكاة فريضة واجبة الأداء في وقت محدد، ولا يمكن أن تؤجل الى حين طلبها من محتاجيها، بينما الصدقة من النوافل التي تؤدى في أي وقت، كما ان الخواتم هي حلية، وليس متوقعا من (علي) التقي الورع أن يقتني الحلي، كما أنه ليس من المعهود أن تقدم الخواتم للسائلين كصدقات.
3- لا يمكن أن يكون قصد الله تعالى (والله أعلم بمراده) بالركوع أنه ذلك الركن بالصلاة، فأداء الزكاة لا يمكن أداؤها خلال وقت الصلاة، لأن احتساب قيمة الزكاة وتوزيعها وفق الشروط الشرعية يلزمها أن يكون المرء حاضر الذهن لها متفرغا لأداء أركانها، وفي الصلاة يكون انشغال تام عن كل ما عداها وحتى لو كانت عبادة أخرى، لذلك فلا بد أن يكون الركوع هنا يعني الخضوع والإذعان.
هكذا نتوصل الى أن كلي الاستدلالين باطل، وأنه لا سند شرعي لقضية ولاية الإمام الفقيه، لأنه إلغاء لمبدأي الشورى، وأن التفاضل بين المؤمنين بالتقوى وليس بالأنساب.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى