تأملات رمضانية

#تأملات_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في سورة الماعون: “أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ. فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ. فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّين.ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُون. ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ. وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ”.
عادة ما أتابع بشغف، مثل أغلب المسلمين الذين لا يتاح لهم أداء العمرة في رمضان، والتقرب الى الله بأداء النوافل في بيته الحرام، أتابع النقل الحي والمباشر لصلاة التراويح التي تبث من الحرم المكي.
عامنا هذا مختلف، فقلوبنا معلقة بالمرابطين الصامدين في أرض العزة، وأرواحنا تتوق الى مشاركتهم بالجهاد والوقوف الى جانبهم، ويسكن نفوسنا الهم والغم على قلة حيلتنا، فيما مناظر الدمار والقتل لا تغادر بالنا، تصفع وجداننا بقسوة، فننشغل بالقلق الدائم: هل سيغفر لنا الله هذا التقاعس عن نصرتهم!.
لذلك فأول ما ننتظره من إمام الحرم هو أن يكون هذا الهم هو ما يشغل باله، وأقل ما يفعله هو الدعاء لهم عند القنوت، فذلك هو ما يحرك المشاعر ويثير الهمم، ويحرج المتقاعسين والقاعدين، ويوقع الخائنين الموالين للعدو في دائرة الإدانة وبالتالي يسقط عنهم شرعية ولاية الأمر.
لكننا رأيناه في كل ليلة مضت يغفل هذا الأمر الجلل، ويدعو للحكام بطول البقاء وللعسكر المرابطين على الثغور (لانعلم أين هذه الثغور إن كانت المياه مستباحة لبحرية الأعداء والأجواء متاحة لطائراتهم).
هل هذا هو ما أراده الله من المؤمنين الذين آمنوا به واتبعوا الدين الذي أنزله؟.
وهل سيقبل صيام وقيام وطواف وسعي ممن ناصب إخوانه في الدين العداء جراء انتهاجهم الجهاد ورفضهم الاستسلام والتطبيع مع عدو الأمة؟.
وهل هو حقا (يجاهد في السنن) فيتبع ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال “ما آمن به من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم”، فها هي صور أطفال القطاع ماثلة يراها العالم كله، فالهاربون منهم من جحيم القصف الهمجي يلاحقهم العدو بمنع الماء والخبز عنهم.
إذاً كيف نعرف المصدق بالدين المتقي لربه، من المنافق المتظاهر بالتدين، إن كان كلاهما يؤدي العبادات الظاهرية؟.
هل نصدق دموع الإمام التي يشرق بها في تلاوته، فنظنها دموع التقوى والخوف من الله، وهو عالم يقينا أنه بامتناعه عن التضامن مع المرابطين الصابرين إرضاء لحاكم أنعم عليه، إنما هو مخالف لأمره تعالى بنصرة إخوانه في الدين، فهل هو تقي حقا من أطاع مخلوقا في معصية الخالق؟.
هذه السورة الكريمة جاءت كاشفة للنفوس، ومسقطة لزيف التظاهر بالصلاح والاستقامة.
وأكثر موقف يثير العقل فيها هو: لماذا جاء ذكر المصلين في الحديث عن المكذبين بالدين، مع أن الصلاة هي أكثر العلامات الفارقة للمتدين… فهل يمكن للمصلي أن يكون مكذبا بالدين؟.
هذه السورة تجيب على ذلك كله.
فقد حدد الله المكذب بالدين بالممانع للصلاح ونفع الغير، ولم يذكر أنه ينكر الأركان الخمسة للإسلام، فذلك تحصيل حاصل، لأن الدين أراده الله للناس ليصلح نفوسهم ويهذب أخلاقهم، لذا فمن لم يحقق مناطات الدين فكأنما هو كذب به ورفضه.
إذاً فهنالك علامتان فارقتان للمكذب بالدين: دع اليتيم وتعني رفض طلب تقديم العون له بقسوه، وعدم تشجيع أو دعوة الآخرين لتقديم المساعدة.
نلاحظ أنه تعالى أورد بعد ذلك مباشرة وعيدا بعذاب شديد للمصلين المرائين في صلاتهم، الذين لا تغير صلاتهم (أي دينهم) في سلوكاتهم أي إيجابية، لذا فهم يؤدونها إلا وهم متكاسلون عنها، ومفرغة من مضمونها.
وذلك يفسر لنا لماذا كان توعد الله للمصلين مراءاة أشد من توعده لتاركي الصلاة أصلا، فالمراءون يخدعون الناس بادعاء التقوى، ولما أنهم فاسدو الأخلاق، فهم يسيئون للدين مما يؤدي للصد عنه، بينما تاركو الصلاة مكشوفون فلا يدعون التقوى، وذنبهم على جنبهم، فكل سيحمل إثمه.
هكذا يتم فرز المنافق من الصادق، فمن يرى إخوانه يتضورون جوعا ولا يقدم لهم مستطاعه من دعم، فهو مكذب بالدين، ومن يمنع التضامن معهم حتى بالدعاء فهو منافق، ومنزلته في الدرك الأسفل من النار، أما من يمنع عنهم وصول المساعدات أو يحاصرهم فهو عدو لله وللدين، ومن أيد هؤلاء أو وافقهم فهو شريك لهم في الكبيرة.
نبرأ الى الله من هؤلاء أو أن نكون ممن سكت عنهم.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى