بين نار وموج ورجاء / رقية القضاة

بين نار وموج ورجاء

وترقّ نسائمك يارمضان ،وتتوالى مواسمك العابقة بالنور والبركات ،ويطوف هلالك بمراحله المتتالية على وجه الأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها،وهو يرقب ما يجري هنا وهناك ،وقد أثقلت وجهه البهي سحابات حزن عابق برائحة الشهادة ،وقد دوّنت على صفحته الوضيئة، قصص القتل والتشريد والظلم والفرقة والفرار والهجرة القسرية ،لكل اولئك المستضعفين ،الذين تطاردهم عصابات الجور والكفر والاستعمار الجديد ،في محاولة شرسة يائسة لاطفاء نور الله الذي اشرقت له الظلمات ،واستكانت لفيضه القلوب ،واستقرّت به الخواطر الكسيرة،واطمأنت اليه النفوس الكليمة ،وهي تعلم يقينا (والله متم نوره ولو كره الكافرون)
وتشرق شمس الرحمة فيك يار مضان ،وعلى طول البلاد الاسلامية وعرضها ،محارق ومشانق،وفي شعابها تعج دروب الهجرة بالمهاجرين الفارين بدينهم واعراضهم وذراريهم،من نار صلاهم حرّها عدوّلله ولرسوله وللمسلمين ،نارتقذفها براميل متفجّرة ،وقنابل مغروسة في الارض ،وعلى الدروب،نار تسلمهم إلى شواطيء الغربة ،وبحار الهلكةالهائجة الموج ،الهادرة الصاخبة المظلمة ،وعلى الشواطيء الغريبة جسد طفل بريء مسجّى شاهد على ذلّ أمة وعربدة كفرة فجرة ،يطاردون أهل التوحيد ،ويلجئونهم الى بحار تهدر أعماقها ،وتنأى شواطئها ،وهم يركبون الفلك المشحون ،حالمين بغد أكثر أمنا وأمانا ،وقد عزّالأمان في ديارهم وصارت بيوتهم التي كانوا ياوون اليها ،مكدودين مقهورين ،صارت أكواما من تراب وحجارة ،فلم يعد لديهم خيار الا الرحيل عبر المهاجر المتاحة ،فيقصدون البحر علّه يستوعبهم بسعته ،غير آبهين لحكايات الغدر التي سمعوها عنه آلاف المرّات، فتغدو اجساد الاطفال طعمة لمخلوقات البحار الغريبة ،وتصير الارواح أرخص من ملح البحر الممزوج بماءه العميق
ما بين نار وموج صار حالنا،ورمضانا بعد آخر يذهب ويعود ،والحال هي الحال بين موج هادر يبتلع الاجساد ونار مستعرة تحرقها ،والامة في وهن ويأس وذهول وغفلة ،والعدو شرس، والمنافقون يتربصون بالصابرين الدوائر، ولا خندق يحوطنا بالحماية، ولا مخذّل عنّا يرد الكيد ،فالى قنوت النوازل فليلجأ المستضعفون ،والى الدعاء فليهرع الضغفاء والمغلوبون،والى ميادين الغفلة والقنوط فليتسابق المتخاذلون، وإلى الله القوي العزيز فلتأوي الارواح والقلوب التي تسعى للتمكين والعزة والاستخلاف والعدالة ،فعنده وحده مفاتيح الغيب ،ومن فضله يتنزّل النصر والرحمة والغيث الربّاني النديّ،المنهلّ بالتثبيت والتسليم والمدد العظيم
فليكن رمضان الأمة هذا بابا مفتوحا الى السماء موصولا بدعاء المضطرين،وسحائب رجاء تنهمر بالسكينة على المهجّرين والمحزونين،وليتمثّل فيه كل منا تلك الرحلة النبوية الى الطائف ،وقد عاد كسير القلب دامي البدن حزين الرّوح ،فيمدّ حبل الرجاء بينه وبين ربّه جل وعلا ،يناجيه بالقلب واللسان والوجدان ،يناجي ربه الذي جير ولا يجار عليه ،والذي هو معه يسمع ويرى ،والذي إليه الأمر من قبل ومن بعد بسكينةواطمئنان {الّلهم إليك أشكو ضعف قوّتي،وقلّة حيلتي،وهواني على النّاس،يا أرحم الراحمين انت ربّ المستضعفين وأنت ربّي،إلى من تكلني؟إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي،ولكن عافيتك هي أوسع لي،اعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أويحلّ عليّ سخطك،لك العتبى حتّى ترضى،ولا حول ولا قوّة إلاّ بك}
وحبن ترق ّنسمات الليل الرّمضاني المهيب ،وحين تستشعر قلوبنا برد اليقين،،وحين تصفو المشاعر ولا تحسّ الّا بالقرب والودّ واللطف،حينها لتنطلق منّا التسابيح والحمد والدعاء الخالص المقرون باستيقان الإجابة ،أن يغيّر الله حالنا وان يخزي عدوّه وعدوّنا ،وأن يجعل ثأرنا على من ظلمنا ،وأن يردّنا الى ديننا ردّا جميلا ،وأن يأتينا بالفتح من عنده إنّه هو العزيز الحكيم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى