بين فيلم يوم من عمري و فيلم الحريف تقع تجارب سينمائية غنية

بين #فيلم يوم من عمري و فيلم الحريف تقع #تجارب #سينمائية غنية
بقلم فراس الور

فيلم يوم من عمري هو فيلم رومنسي كوميدي بإمتياز، و عرض لأول مرة في عام 17 اذار من عام 1961 في القاهرة، و كان من بطولة عبدالحليم حافظ (مع حفظ الألقاب) و زبيدة ثروت و عبدالسلام النابلسي و محود المليجي و زوزة ماضي و سهير البابلي و زكي طليمات و عبدالغزيز احمد و صلاح نظمي و ثريا فخري، و هو عن فيلم اجنبي بإسم اجازة غرامية لوليام وايلر، كان الفيلم من انتاج المتحدة للسينما (صبحي فريحات) و نظم موسيقى الفيلم علي اسماعيل كما ألف كلمات و ألحان اغاني عبدالحليم ألمع الشخصيات الرائدة بالكتابة و التلحين فكانت اغنية ضحك و لعب من تأليف ( مرسي جميل عزيز – منير مراد)، خايف مرة احب (مأمون الشناوي – بليغ حمدي)، بعد ايه (الشناوي – كمال الطويل)، بأمر الحب (مرسي جميل – منير مراد)،
يروي الفيلم قصة الصحفي صلاح والمصور يونس الذان لا يتمتعتا بشعبية كبيرة عند مكتب رئيس تحرير صحيفة اخبار اليوم، و هما من الطبقة الكادحة و المديونة فينتظرا بفارغ الصبر نشر مقالات لهم و الصور التابعة للمقال من حين لآخر بالصحيفة ليحصلا على رواتبهم، و فجاة تلوح بالافق حادثة تثير اهتمام رئيس التحرير، فبعد ان عزم على طردهما من عملهما يقرر اعطائهما فرصتهم الآخيرة في تتبع اخبار وصول ابنة مليونير الى ميناء القاهرة الجوية من سويسرا، و تكون قادمة لخطبة شقيق زوجة ابيها بالاكراه….فيعطيهم فرصتهم الآخيرة لصنع السبق الصحفي الذي سيحول دون خسارتهم لوظيفتهم بالصحيفة… و هنا يحصل ما لا يكن بالحسبان، فتتعطل سيارة يونس قبل وصولهم للمطار… و تصل نادية ابنة المليونير لتصدم ان والدها عازم على تزويجها من شقيق زوجته، فتقرر الهرب منهم، و تستقل حافلة هاربة من ما ينتظرها لتتعرف بالصدفة على صلاح، و تحصل بينهما معرفة طيبة تقود الى علاقة حب غير متوقعة اطلاقا مليئا بالخداع و المفارقات، فلا يخبرها حقيقة عمله الصحفي،و لا تتجرأ نادية باخباره انها ابنة المليونير التي قدمت من سويسرا لتتفاجئ انها على وشك ان تباع بواسطة زواج المصالح الى نسيبها، بل و تعطي صلاح معلومات خاطئة عن ابنة المليونير بحجة اتها كانت تستقل نفس الطائرة و بانها شاهدتها بالمطار، و يقرر يونس تغطيت فشلهم بكذبة حيث يقول لرئيس التحريرانها استلمت من خطيبها بالمطار الذهب و الشبكة و ان المليونير حجز طائرة خاصة لعودته الى اصوان و رفض اخذهما معه لتغطية الخبر، و تتطور الامور سريعا فيطلب الاب من الشرطة البحث عن ابنته و هو غير مدرك انه هو سبب هربها، و تقع نادية بحب صلاح و لكن كذبهم لبعض يدفعهم لعدم الانغماس بهذه العلاقة…. الى ان تبوح نادية بالحقيقة لصلاح و يقنعها بالعودة الى اهلها، و يرفض نشر السبق الصحفي بالصحيفة له حتى لا يخون ثقة حبيبته و يفضحها بعكس يونس الذي يشجعه على التخلي عن مبادئه مقابل الاجور الكبيرة التي سيتلقاها من مكتب رئيس التحرير،و يحاول الاب اقناع ابنته حينما تنكشف حقيقة صلاح انه استغلها لسبقه الصحفي و حيث يقررا السفر الى اصوان… الى ان تصدر حركة شهامة من صلاح و يثبت لعائلة نادية انه رفض نشر اخبار هروبها من والدها و ما حصل بينهما…. و ينتهي هذا العمل نهاية سعيدة و يجتمع صلاح بنادية معا من جديد،
يوم من عمري تجربة ناجحة جدا بما يسمى باللغة الإنجليزية :
obscuring the backgrounds
او باللغة العربية تعتيم الخلفيات او التفاصيل المكانية للسيناريو في سبيل تسليط الضوء على شخصيات العمل و الحوار الدائر بينهما و الأحداث التي تحدث معهم، و غالبا ما يشكل هذا تحدي للمخرج اذ لا يجد تفاصيل كثيرة لنقلها في مشاهد العمل حينما تروي كاميرته لنا الرواية بل يكون التركيز على التفاعل الدرامي و ابراز الشخصيات بالكامل مع انفعالاتها حيث هي ما تتوضح بالكامل في هذه الحالة، اذ بالعادة المعالجة الدرامية و السيناريو و الحوار هم ما يرتكز عليه مخرج العمل بعملية التصوير، و هذا ما ينطبق بالكامل على هذا الفيلم إذ الغالبية الساحقة منه كانت لصلاح (عبدالحليم حافظ) الصحفي في صحيفة اخبار اليوم و نادية (زبيدة ثروت) ابنة المليونير الهاربة و يونس (عبدالسلام النابلسي) المصور، فيلم عَتًمَ على الخلفيات و على امكنة التصوير بصورة ممتازة في السيناريو كالحارة الشعبية التي رأيناها بصورة خاطفة في اول العمل اذ يكون صلاح و يونس من الطبقات الفقيرة جدا، حتى احياء القاهرة التي تجري فيها احداث العمل لم نراها موضع اهتمام المخرج اطلاقا…بل لم نرى زخرفة تصويرية تغمس فيها العمل ببيئته الفقيرة…و لم نرى كاميرا الواقع هنا تعمل اطلاقا لتسلط الضوء على الفقر القاسي الذي يعيشه صلاح مع يونس…بل انطلق الراحل الكبير عاطف سالم بكاميرته ليسلط الضوء على جمال العلاقة التي كانت تتبلور بين ابطال العمل ليجعلنا نعيش معه الحب الحالم بين الغني و الفقير…الحب الذي تتعذب به الأطراف وسط اخفاء الحقائق و الخداع و دقات القلوب المتيمة ببعض، و روى لنا لغة العيون التي كانت تنطلق من صميم مشاعرهم و احاسيسهم…لم نرى بشاعة الفقر اطلاقا من خلال الأحياء الفقيرة و الصراعات الشرسة على المال و الكفاح و الجري و راء القرش كما هو متوقع بهذه النوعية من الافلام…بالرغم من ان هذه العلاقة العاطفية كانت لبطل مفلس جائع على حفة الإنهيار الكلي، و اكتفى عاطاف بالإشارة اليها ببعض المشاهد ليبث روح و مساحات اخراجية لكاميرته بعيدا عن الاسلوب التقليدي لكاميرات الواقع التي تعالج هذه القصص بين المكافحين من خلال ابراز البيئة الفقيرة التي قد يعيش فيها الابطال…على النقيض التام ابرز جمال للفقر يتمحور حول وجود لغة القلوب و العشق و لم يسلط الضوء على البيئة الواقعية للعمل الدرامي…ليكون ربما من القلائل الذين فعليا سبقوا عصرهم بالشرق الأوسط و اسسوا لهذا الأسلوب الإخراجي المميز…و حتى و ان كانت هذه الرواية مستوحاة من فيلم اجنبي كما اشرت بأول المقال و لكنها كانت مغمسة بروح مصرية بإمتياز و بعبقرية اخراجية مذهلة…فانطلقت قصة الحب هذه من حافلة نقل كانت تُقِلْ الركاب الى مقر للمسافرين و من ثم الى مطعم شعبي للحلويات بسيط حيث تعمقت العلاقة بين صلاح و حبيبته ثم الى مناظر طبيعية تتخللها مشاهد عشق بريئة…فَغَيًبْ المخرج تفاصيل كثيرة عن خلفيات المشاهد بعكس المارد محمد خان الذي يتباين اسلوبه في فيلم الحريف بصورة قوية مع يوم من عمري…
تم عرض الحريف في 6 اغسطس سنة 1984 في سينما ميامي، و هو من بطولة عادل امام و فردوس عبدالحميد و عبدالله فرغلي و زيزي مصطفى و نجاح الموجي مع باقة لامعة من الفنانين، و هو عن فارس (عادل امام) الرجل المكافح الذي يعمل بمصنع للأحذية، و يعيش بحجرة صغيرة على سطح احد العمارات القديمة بعد انفصاله عن زوجته دلال (فردوس عبدالجميد)، و لديه ولد واحد، و لفارس ولع كبير بكورة الشراب و بكرة القدم فينخرط بصورة دورية ببطولات الأحياء التي يتم تنظيمها حيث يتهافت عليه الجميع بسبب موهبته القوية باللعب، و يكسب لقمة عيشه من عمله بالمصنع و من لعب الكرة، و لكن صديقه رزق (عبدالله فرغلي) الذي يطلبه دائما للعب مع فريقه لا يعطيه سوى القليل من المرابح الكبيرة التي يكسبها بالرغم من علمه بأوضاعه المادية، و فجأة يجد في طريقه صديقه شعبان (فاروق يوسف) الذي كان يمتهن منذ زمن لعب الكرة، و يكتشف بأنه ترك الرياضة و يعمل بتجارة السيارات، فيعرض عليه العمل معه، و يوافق فارس كي يخرج من الضيقة المادية التي يمر بها، و يعود الى دلال و ابنه…و لكن قبل ان ينتظم بالعمل مع صديقه يعود ليلعب المباراة الأخيرة في كورة الشراب و يكسبها…
في حقيقة الأمر تعامل الراحل محمد مع الفيلم بصورة محترفة بالرغم من انه طبق تقنيا نقيض الذي طبقه عاطف سالم، فراينا سيناريو بيئيا و مكانيا يحاكي البؤس الذي كان فارس يختبره متجردا من اية عواطف حالمة كالتي رأيناها في يوم من عمري، فانا لا اقارن بين القصص و الرواية بين الفلمين…بل اقارن اساليب اخراجية بالغة و ناضجة لجئا اليها هاذين الماردين كل منهما بـأسلوب رائع بتنفيذ السيناريو و الحوار الذي كان بين ايديهما…و هنا تعملق كل منهم بأسلوبه الخاص…و هنا تربع الراحل محمد خان على عرش مخرجين الواقع حينما اختار البيئة التي تحاكي الظروق القهرية للأبطال…حارات تشهد اكتظاظا سكانيا و بنايات قديمة و غرف متواضعة يأوي اليها ابطال روايته…مهنة متواضعة لبطل السيناريو بمصنع لا يعطيه راتب يؤمن له عيش كريم…مشاكل و طلاق على سلوكه المتهور من زوجته التي تكافح و تعمل في مصنع خياطة لتؤمن قوتها هي و ابنه…احياء شعبية و قاطنوها بثيابهم المهترئة و تنظيمات كبيرة لكورة الشراب بين محترفين محليين يكون هو بطلها، و حتى هنا يقع فارس رهينة منظم مباريات طماع لا يعطيه من الجمل الا اذنه من ريع و المكساب الكبيرة لهذه المباريات، نرى هنا عن طريق قصة فارس البائسة مرارة الجري وراء لقمة العيش مغمسة ببيئتها الحقيقية وسط الابنية المهترئة و الفقراء من جيرانه و ابناء حيه و المرارة التي يعيشها في كل يوم من عمره…النسيج الدرامي هنا تعملق و اخذ ملئه انطلاقا من الواقع المعاش بعكس يوم من عمري الذي استطاع من خلاله الكبير عاطف سالم اخراح جمال مبهر و الابعاد الإنسانية الراقية من وسط الفقر المهلك،بل و رسم البسمة على وجه المشاهدين حينما اختتم العمل بنهاية سعيدة…في المقابل اختار خان نهاية مفتوحة بعض الشيئ لفيلمه بالرغم من ان فارس ودع لعبة الشراب بإنتصار كبير…فنهاية فارس مع شعبان لم تكتب و تركت ربما لإجتهاد المشاهد…
الحياة هي دراما و الدراما هي الحياة، هما توأم و الفرق الوحيد بينهما ان الحياة حقيقة اما الدراما فهي مرآة للحياة… و ما اجمل هذه الدراما ان وقعها كتاب السيناريو الكبار و المخرجين الكبار بابداعاتهم الحقيقية… حينما سنرى الحياة من وجهة نظرهم و كاميراتهم و سَتَتَلَوًنْ هذه الحياة الدرامية بجمال راقي سيشدنا لمتابعة اعمالهم… لو كان عاطف سالم على قيد الحياة لغاية يومنا و لو كان لي كلمة له لقلت له نطق الحب بالكثير في يوم من عمري… فاعطيتنا رواية دسمة جعلتنا نشعر كم ان الحب الحقيقي النقي المجرد من الكذب و الغش و الخداع راقي و رائع، و لو كان الراحل محمد خان مازال على قيد الحياة و لو كان لي كلمة له لقلت ما اجمل ان نرى الواقع المجرد بقساوته من خلال عدسة كاميرتك…. فلذلك هنالك العديد من افلام ستتوارثها الاجيال… ليتوقفوا ويسألوا ان كنت تحاكي عصرهم من دسامة موضوعها..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى