بين الشهادة المعمّدة بالدم وتنظير الجاحدين. . !

بين #الشهادة_المعمدة_بالدم و #تنظير_الجاحدين. . !

#موسى_العدوان

وصلني قبل بضعة أيام فيديو يحمل مقابلة تلفزيونية لأحد ابطال التنظير – ولا أعرف اسمه أو تاريخ إجرائها – فاستغربت تنكره الصريح لمشاركة #الأردن في #حروب ماضية أو تقديمه #الشهداء، ولكنه تفضل مشكورا بذكر اثنين منهم فقط. وبيّن في حديثه أن الشهداء بحساباته الرقمية، يكلفون الدولة 2,5 مليون دينار شهريا، متباكيا في حرصه على مصلحة البلد، وطالبا التوقف عن التجارة بهذا الموضوع.

يبدو أن ذلك المنظّر الهمام لم يقرأ تاريخ #الجيش_العربي الأردني، ولم يسمع بتضحياته وشهدائه، لأنه كان مشغولا في جبهات القتال، التي كان يخوضها في مواقع أخرى خارج الأردن. الشهداء الأردنيون الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الوطن، لم يقرأ أو يسمع عنهم عطوفته، وهو معذور في ذلك، لأنهم ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. والأبلغ من ذلك، أنه يطالب الدولة بأن تشطبهم من تاريخها، وأن تتوقف عن دفع النقود لأسرهم – رغم ضآلة قيمتها – توفيرا على الدولة. أمر عجيب أفصح عنه عطوفته . . !

لقد نشرت يوم أمس صورة لستة أبطال من شهداء الأردن، وهم على أسوار القدس رفضوا الانسحاب من موقعهم، رغم الهجوم الكاسح الذي شنه العدو عليهم، فارتقت أرواحهم إلى السماء. لا يتسع المكان لسرد تضحيات عدد كبير من شهداء الوطن، ولكن بما أنه تنكر لوجود الشهداء، فأرجو ان يكلف نفسه برحلة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة، في الذهاب إلى صرح الجندي المجهول في الشونة الجنوبية، ليقرأ هناك أسماء شهداء معركة الكرامة على الأقل، ويقرأ الفاتحة على أرواحهم إن كان يحفظها.

وزيادة في الإيضاح ليسمح لي عطوفته وأمثاله، أن أقص عليهم إحدى قصص بطولات رجال الجيش الأردني في حرب عام 1948، وهو الشهيد الملازم عبد المجيد المعايطة رحمة الله عليه، لعلها تجعله يعيد النظر بأفكاره، ويعرف أن هناك شهداء أردنيين دافعوا عن الوطن في غيابه، وبغيّر ما دعا إليه في مقابلته العظيمة :

* * *

بتاريخ 29 مايو / أيار 1948 فُرضت الهدنة على الطرفين الأردني واليهودي لمدة أربع أسابيع. وامتنعت بريطانيا عن تزويد الجيش الأردني بكافة أنواع الأسلحة والذخائر، وأوقفت صرف المعونة المالية للجيش تطبيقا لاتفاقية الهدنة، ثم أبلغت هذا القرار رسميا إلى الحكومة الأردنية. وبالمقابل استمر تدفق الأسلحة والمعونات المالية على اليهود.

في مساء 30 مايو/ أيار حشد اليهود 3 ألوية مقاتلة بقيادة العميد الأمريكي ماركوس، استعدادا للهجوم على اللطرون. ثم شنت هجومها الثاني، على مواقع الكتيبتين الثانية والرابعة، من الجيش الأردني في باب الواد واللطرون، بعد فشلها في هجومها الأول بتاريخ 25 مايو / أيار. وبدأت هجومها بقصف مدفعي مكثف استمر لمدة ساعتين متواصلتين. وقبيل منتصف الليل تقدمت قوات الهجوم برتلين، أحدهما تتقدمه كتيبة مدرعات تتبعها قوة مشاة، باتجاه مركز بوليس اللطرون.

كان هدفها اقتحام المركز، والتقدم بعد ذلك لتدمير المدفعية الأردنية المتمركزة خلفه، وإحداث اختراق في ميمنة الدفاعات باتجاه رام الله. الرتل الثاني والمكون من كتيبة بلماخ ( صاعقة ) تتبعها كتيبة مشاة أخرى، تقدمت باتجاه باب الواد بهدف احتلال مرتفعات ( يالو ) التي تتمركز بها كتيبة المشاة الثانية، والالتفاف خلف دفاعاتنا من جهة اليسار.

كانت القوة المدافعة عن مركز بوليس اللطرون قوة صغيرة، مكونة من فصيل مشاة ( 30 جندي وضابط ) زائد رشاشين فكرز، وتحيط بالمركز الأسلاك الشائكة والخنادق وبعض التحصينات. أما قوات العدو فكانت تتكون من 35 آلية من بينها مدرعات وناقلات جنود المشاة ومدافع هاون.

وعندما وصلت هذه القوة إلى مدخل المركز، وحاولت فتح الباب الحديدي بالأوكسجين، أمطرتهم القوات المدافعة بنيران الرشاشات والقنابل اليدوية وصواريخ (البيات)، فأوقعت بهم إصابات بالغة. ولكن الموقف كان خطيرا بسبب تفوق القوات المهاجمة على القوات المدافعة بعدة أضعاف، إضافة لكونها تضرب طوقا من الحصار، حول المركز من جميع الجهات.

وتجاه هذا الموقف الخطير، قام قائد الفصيل الملازم عبد المجيد عبد النبي المعايطه، بالطلب من قائد كتيبته أن تطلق المدفعية على موقعه، الذي التحم به مع قوات العدو المهاجمة في مركز بوليس اللطرون، نار تخليص الأرواح .( sos ) وهذا الطلب يتضمن بطولة انتحارية وشجاعة نادرة، لأنه سيتعرض هو وجنوده كما هو حال العدو، إلى نيران القصف المدفعي من قبل قواتنا. واستجابة لذلك ما هي إلا فترة وجيزة، حتى انصبت قنابل المدفعية والهاون، من قواتنا بتجميع رهيب على مركز البوليس، تصيب الطرفين المهاجم والمدافع على حد سواء بالخسائر.

استمر القصف حتى طلوع الفجر يوم 31 مايو/ أيار، فأوقعت بالعدو خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، مما أدى لاستشهاد الملازم عبد المجيد المعايطه مع عدد من جنوده. وفي منطقة الكتيبة الثانية استمر الاشتباك حتى ساعات الفجر، حيث انسحبت فيما بعد القوات المهاجمة خارج المنطقة، وفشل العدو في هجومه الثاني على منطقة اللطرون وباب الواد.

وفي هذه الأيام التي يجري بها تدنيس باحات المسجد الأقصى من قبل قطعان اليهود، ويتنكر بها أحد الجاحدين للشهداء وأسرهم، لا يسعنا إلا أن نترحم على الشهيد الملازم عبد المجيد المعايطة، وجميع شهداء الجيش الأردني، الذين ما زالت رفاتهم ودماؤهم تعطران تراب الأردن وفلسطين العزيزة . . !

التاريخ : 23 / 2 / 2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى