بين الديكتاتورية الوطنية والديكتاتورية العميلة

بين الديكتاتورية الوطنية والديكتاتورية العميلة
م. عبد الكريم أبو زنيمة

لم تنعم الشعوب العربية يوماً منذ تحررها من نير الاستعمار الغربي بالحرية ولم تعرف المعنى الحقيقي للحرية وحقوق الإنسان، فمنذ جلاء الاستعمار هيمن على إدارة الدول العربية الحكم الفردي المطلق أو حكم الحزب الواحد المدعوم بالمؤسسة العسكرية، هذه الحكومات غير الديمقراطية وخاصةً في الدول المحورية كانت شكلاً من أشكال الديكتاتورية الوطنية، حيث كان أولئك الحكام وتلك الأحزاب وطنيةً بامتياز في التوجهات والمواقف بما لا يدع مجالاً للشك وأفعالهم تتحدث، إذ أمموا مصادر الطاقة والثروة لصالح الشعوب وتوسعوا في مجال التعليم والتعليم التقني المجاني ووطنوا الصناعات والتعدين وطوروا الزراعة والبنى التحتية وارتقوا بالصحة وبمختلف المجالات، وبكلماتٍ أُخرى فقد انتشلوا المواطن العربي من غياهب الأُميّة والفقر والجوع والأمراض ورفعوه لمستوىً يتلائم مع عصرهِ وأسسوا لبناء الدّول على قاعدة الإنتاج حتى أصبحت السمة الرئيسية للمواطن العربي هي الإنتاج، إلا أنَّ هذه الديكتاتوريات الوطنية أغفلت أو غيبت أهم عنصرين من العناصر الرئيسية لبناء الدول وتطورها وازدهارها؛ ألا وهما الديمقراطية بمفهومها الشامل “الحرية الفردية والجمعية” واستقلالية القضاء، ونتيجةً لذلك برزت طبقة انتهازية التفت حول الحكام والقادة مستغلةً غياب الديمقراطية، فكانت وظيفتها هي التصفيق وتمجيد القائد والتغني بنهجه وسلوكه القيادي، كما كان الإنضمام لحزب القائد وسيلةً لتحقيق المصالح الشخصية للأفراد، وبذلك غاب مبدأ النقد والنقد الذاتي والتقييم والمراجعة والمحاسبة داخل الحزب الحاكم ووصل الأمر أنَّ الديمقراطية لم تمارس داخل الحزب نفسه حتى! حيث كانت الأحزاب تُدار بطريقةٍ معكوسة؛ من القمة إلى القاعدة. للأسف، فقد نتج عن هذا النّهج ما يعرف بالولاء المزيّف طمعاً بتحقيق مصالح شخصية، بالإضافة لاستشراء الظلم والاستبداد وتفشي الفساد في أجهزة الدولة، كما أدى إلى تأجيج الحنق والنقم الشعبي على شكل الحكم في هذا البلد او ذلك. هذا النمط من أشكال الحكم قد اتخذ قرارات مصيرية أودت بالبلاد والشعوب إلى التهلكة، الأمر الذي جعل الشعوب تتخلى عن قادتهم وأحزابهم عند أول محطة مصيرية! وبذلك خسرنا كأمةٍ عربية فرصة تاريخية من التطور والتنمية والسيادة!
ما أن تهاوت الديكتاتوريات الوطنية حتى برزت وتسيدت المشهد العربي الديكتاتوريات العميلة ذات التوجهات والولاءات غير الوطنية التي تعيث اليوم فساداً وتخريباً في الأوطان وتبدد ثروات الشعوب، فها هي اليوم وبشكلٍ فاضح تتحالف مع قوى الشر العالمية وتتسابق فيما بينها لتنفيذ المشاريع الصهيوأمريكية وأهمها تصفية القضية الفلسطينية وإبرام تحالفات عسكرية واقتصادية مع العدو الصهيوني وبذات الوقت تخترع لنا عدواً وهمياً “إيران” وتنشر بذور الفتنة والتفرقة بين أطياف الشعوب العربية، فهي من جهةٍ تتباكى على الأمن القومي العربي وبذات الوقت هي من تفتح حصون وقلاع الوطن العربي لاعداء أمتنا! هذه الديكتاتوريات هي من مولت ودعمت تدمير العراق وليبيا والجزائر وسوريا واليمن، وهي من تآمرت على أول شكل من أشكال الديمقراطية في مصر وعلى أول رئيسٍ منتخب ديمقراطياً “رحمه الله” وهي من تقف اليوم خلف المجلس العسكري في السودان لحرمان الشعب السوداني من إقامة دولته اليمقراطية المدنية، هذه الديكتاتوريات العميلة تتآمر على أحلام وطموحات الشعوب العربية بالعيش بعزة وكرامة وحرية؛ لا لشيء سوى المحافظة على عروشها!
الشعوب العربية لا ينقصها أي شيء لتتربع على قمة هرم النماء والتطور والازدهار لو توفرت لها الظروف والبيئة الديمقراطية، فمواردنا البشرية تضاهي وتنافس بكفائتها ومعارفها وخبراتها الخبرات العالمية من مصافي الدول المتقدمة، ومواردنا الطبيعية وجغرافيتنا زاخرة بخيراتها وثرواتها، وحكامنا لا ينقصهم إلا البصيرة ووضوح الرؤيا وشيء من الكرامة والوطنية والشجاعة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى