“الدكتور نعيم”، هو معلق خبير بشأن سريلانكا تعثرت به قناة “الجزيرة” ليشرح لنا حيثيات ما حصل ويحصل الآن في البلد الوحيد في العالم الذي يجمع ثلاثة تناقضات مع بعضها البعض، بطريقة عجيبة: #الجوع والجمال والشاي الفاخر.
صاحبنا “الدكتور نعيم” وجه جديد يقدمه لنا الزملاء في غرفة أخبار “الجزيرة” حتى نحصل على وجبة دسمة من التعليق على أحداث بلد نعرفه نحن العرب بصورة استثنائية فقط، من خلال الشاي، الذي يجري مع الدم في عروقنا.
ومن خلال تلك الوجوه السمراء دائمة الابتسامة، حيث مئات الآلاف من السريلانكيين، الذين اقتحموا بيوتنا ومزارعنا وكشفوا كل عوراتنا وأسرارنا أو لنقل اطلعوا على أسرار بعضنا من مترفي جماعتنا.
في مزرعة صديق ثري في أغوار الأردن كان وجه السريلانكي إبراهيم، هو أول من يستقبل علية القوم، وتومي المبتسم الذي يعمل مع رئيس وزراء سابق، قد يكون الوحيد الذي شاهد تشكيل واقالة عشرات الحكومات.
إبراهيم حصرا كان يدهشني وهو يبلغني بقدرته على التمييز ما بين الغث والسمين من زوار المزرعة وأصحاب الألقاب وعلية القوم. همس في أذني مرة “معاليه بخيل جدا وزوجته لا تحبه”.
السباحة في بركة القصر
في سريلانكا شعب ذكي ومجاهد بالتأكيد.
و أغلب التقدير أن ضيفنا المعلق الدكتور نعيم سيحفظ المشاهدون العرب بعده أسماء بعض النواحي والقرى في سريلانكا، كما حصل تماما في حرب أوكرانيا، التي بتنا خبراء في نواحيها وقراها، جراء القصف الروسي.
طبيعي أن يهرب الرئيس السريلانكي من الجوعى.
طبيعي في المقابل أن يفعل ذلك وإلى الأبد، بعدما شاهد على محطة “سي إن إن” الجوعى الغاضبين يسبحون ويتبولون في بركة السباحة التي تخصه.
طبيعي أكثر أن يرتعد أصحاب القصور المترفة بعد الآن.
لا بل الطبيعي أيضا أن نصغي جميعا لمواطن مصري جمعتني به الصدفة مؤخرا في قبرص، وبقي طوال ساعتين يتوقع أن يهجم الغوغاء والجوعى ومعهم البلطجية” بتوع و” اقعة الجمل” على كل عزبة مترفة أو قصر رئاسي في “أم العروبة”، مصرا على أن لا أصدق إطلاقا ما تقوله قنوات شبكة” النيل” مع أنه، كما يصف نفسه “ليس مسيسا ولا يؤمن بالإخوان ولا يصدقهم”.
صديقنا يستنكر الحديث عن نهضة اقتصادية في بلاده، ويتحدث عن طبقة سماسرة أكلت الأخضر واليابس، فقط متوقعا أن يحصل المحظور قريبا على أساس صدام محتم بين أغلبية جائعة وأقلية مسستفيدة ستدافع عن مصالحها وتملك السلاح.
طبعا، لا نتمنى لمصر إلا كل الخير، لكن متحدثنا المصري يقترح أن قيادة مصر قرأت جيدا “الكراسة السريلانكية”.
أين سيسبح “جوعانا”؟
طبعا لو كنت رئيسا لدولة عربية أو نائمة، وإن شئتم نامية لارتعبت مما رأيته في مسبح القصر الرئاسي السريلانكي، لكن لا ضير لأن شعوبنا مطواعة وثقافتنا تقول بالبقاء كثور ساقية قرب الزعيم الحبيب وولاة الأمر وتقول إن من يقرصه الجوع يمكنه الاستمتاع بطهي الحصاة ووضع حزام ليس ناسفا على خصره خشية الإملاق!
حرب الجوع بدأتها أصلا فضائية “موسكو” الناطقة بالعربية عندما غرق الكون في الجدل حول قمحات ميناء أوديسا الأوكراني.
مجددا على الشاشة الروسية تمارس معشوقة محور المقاومة العربي الحاجة الروسية “زاخاروفا” الناطقة اللاذعة باسم الخارجية الروسية هوايتها بالسخرية من زعماء الغرب.
وفضائيات مثل “السورية” و”المادين” تعيد وتزيد نكاية بالإمبريالية الخبيثة في نشر تعليقات زاخاروفا ضد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قبل يومين، وقبله الرئيس الفرنسي ماكرون.
لكن دم الثوار تعرفه فرنسا. ويلاحظ معلق حصيف قليلا على قناة “المنار” أن لقاء الرئيس ميشيل عون مع وزراء الخارجية العرب مؤخرا قد لا يزيد عن كونه حفل علاقات عامة.
الله يسترها
كنت قد استمعت للرئيس نجيب ميقاتي في عمان وهو يبتسم، مشيرا الى أن الطريق مسدود أمام الدكتور سمير جعجع الطامع لوراثة مقعد الرئيس عون.
القصد هنا أن السريلانكي يطيح برئيسه الهارب ويسبح في بركته الرئيسية، فيما اللبناني حائر بين جنرالات الحرب وغارق في مستنقع خلافة الرئاسات، والجوع يضرب خواصر بيروت، كما يضرب خواصر القاهرة ودمشق وصنعاء وبغداد، بعدما اكتشف الجميع أن انعاش التنمية الاقتصادية لصالح المؤسسة العسكرية فقط، ليس تطورا اقتصاديا، ولا يملأ البطون الفارغة! وفكرته باختصار حسب صديقي المصري الوصف الأقرب لمواجهة أهلية قريبا.
الجوعى في سريلانكا تركوا البحر والمحيط واختاروا الاستعراض في بركة سباحة رئيسهم، أما جوعانا فلا بحر ولا محيط ولا أحد يعلم أين سيسبحون بصورة محدد، عندما يتورم الجوع مجددا، وسط منظومات سياسة استبدادية وإدارية فاشلة.
كانت جارتنا “أم هاني” تطلق عندما تحتار عبارة خالدة “الله يستر من تاليها”!