بصل الشعب وحکومة العسل!

بصل الشعب وحکومة العسل!
شبلي العجارمة

من منا لم يتعلق بخيوط الوهم من موعدٍ لمقابلة جنرال کبير في الجيش أو مراجعة وزير أو رٸيس وزراء بعدما تقطعت به السبل؟ ، وحين تصل لمکتب السکرتيرة الأولی بعد مدير المکتب الکبير تسمع عبارة ” عطوفة الباشا باجتماع أو دولته عنده قروب أجنبي أو معاليه مسافر “ ، کثيراً ما صدمتنا هذه العبارات ومن طيبتنا التي أوصلتنا إلی قاع البٸر ونحن نصدق کذب هٶلاء وتدليس أولٸك ، وفي أعلی درجات غليان الشارع العام وفيضان الغضب والاحتجاج يطل علينا خبر أحد المعالي أو الدولة أو أحد الباشاوات بنبأ عقد قرانه علی شخصية عامة أو مشهورة ، وتفيض أنباء العناوين العريضة بالمبارکة ونبأ ختام قصة غرامية کانت تسير علی مکثٍ علی حساب البسطاء الذين أتوا من أقصی الشمال والجنوب والشرق والغرب لبث شکواهم ومظالمهم لمسٶول کان يقلب هديةً فاخرة وغارق في اختيار بروفايل من العم جوجل ليوقف شمس عمره الآفلة للمغيب أو يطفیء جذوة جمرٍ من اشتعال الرأس شيباً ، بينما مدير مکتبه وسکرتيرته منهمکون باختلاق الأکاذيب والأعذار لطرد البسطاء وأصحاب المظالم والحقوق کالذباب عن أبوابهم الموصدة والمغلقة إلا أمام القلب الأحمر والوردة الحمراء وزجاجة العطر وإخلاء الممرات لضيفٍ مبهم من الأروقة الخلفية.
البصل يزکم أنوف الفقراء والبسطاء في کل أرکان الوطن وهم يرقبون وطنهم الغاٸب متی سيعود من قبضة علي بابا والأربعون لصاً ، يتساٸلون والأجوبة موجودة لديهم مسبقاً من خصخص وطنهم وباع مٶسساتهم وسرق غدهم وکل أحلامهم؟ ، بينما يغيضهم المعالي والباشا والدولة بغرقانه بالعسل لشوشته وهذا دليل علی أن المکاسب لم تعد فقط علی مستوی الهبش والکمش والکحش بل أصبحت مکاسب وجدانية وارتباطات ارستقراطية کان ثمنها الوقت الذي تدار به الدولة بمٶسساتها أيضاً تم خصخصته علی أضيق مجال وفي أصغر بورة ممکنة .
نحن لسنا ضد حرية الاختيار الشخصي وتعدد الزوجات أو فك حجاب العنوسة والعزوبية وجبر الخواطر المکسورة، ولکن من باب الاستعانة علی قضاء الحواٸج بالسر والکتمان وليس بجعل قضية إنهاء قصة أمروء قيسية حدث وطني هام وحدث الساعة العارم .
في النموذج الغربي نتنياهو حزين وباٸس بسبب عجزه عن تشکيل حکومة إسراٸيلية مناسبة لخدمة قضايا اليهود ، الشعب الأمريکي في صدد الإطاحة بترامب لأنه يسيء استخدام السلطة ، وأردوغان يقوم بضربات استباقية لتأمين وسلامة الشعب والأراضي الترکية ، بينما نحن کشعب ووطن أصبحنا مجرد ورقة لعب غير مهمة علی طاولة قضايا الشرق الأوسط وتم الاستغناء عن کل أدوارنا الفاعلة حين قامرنا بالکثير من معاقلنا السياسية الحساسة هذا علی الصعيد الخارجي والإقليمي ، بينما انهيار الاقتصاد الداخلي والترهل الإداري وملف البطالة والفقر الذي صار مارداً يکبر کل يوم عجزنا عن إيجاد الحلول أو البداٸل أو مجرد کسب الوقت .
نماذج الغرب يتم سجن المسٶول الذي استغل السلطة ، في الغرب يتم إقصاء ومحاکمة من مارس فساد نفوذه السلطوي ، في الغرب يتم إعدام المسٶول الخاٸن لواجبه، في الغرب يقوم أحد مسٶوليهم بإطلاق الرصاص علی رأسه إن أخفق في إدارة شٶون دولته أو مٶسسته أو إذا خسر حرباً.
في قريتنا المجاورة مات أحد الشباب في عام ١٩٧٨ وکانت تبعد عنا القرية مسافة خمسة کيلو متر ، وحين رأت جدتي أن أمي تقوم بنشر الغسيل أمام بيتنا القروي علی الحبل وأمي لا تعلم بالوفاة ،أذکر قالت جدتي عبارة حريُُّ بي أن أعيدها للمبارکة لعشق وأعراس الأرستقراط ، قالت جدتي لأمي ” يا مرة مهو عيب عليك تشري غسيل مهو ولد عفنان ميت ؟“ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى