برْد و صوبّة حطب و وطن … / محمد يوسف الجعافرة
برْد و صوبّة حطب و لمّة أهل و قنوات أخبار .. كانت نهايتها حرقة قلب.
بينما كنا جالسين في ليلة شتاء و برد قارص جلسة عائلية حول صوبة الحطب و رائحة الحطب و الدخان يخرج إلينا من كل جهة و نشتمّ رائحته التي تشبه رائحة العطور الفرنسية – بالنسبة إلينا – و نتابع (قناة البدوية) لنستمتع بمسلسل بدوي يحكي عن قصة “مزنة” و عشيقها الذي قابلها عند “غدير المية” و يلقي إليها الشعر و عيونها تذبل من الخجل, قاطعنا فاصل إعلاني يحكي عن “عسل التمرات” لعلاج المفاصل, فنظرت لأمي و إذ بها تستمع لذلك الإعلان بكلّ تركيز و ترفع صوت التلفزيون بواسطة الريموت كنترول و لكنها لم تكد أن ترفع الصوت حتى تغيّر الإعلان و أصبح حديثاً عن عسل لعلاج نظارة البشرة و حب الشباب, هذه المرة لم تعجب أمي بذلك الإعلان فوجهت الريموت إلى ذلك التلفزيون الملعون لتنتقل بين القنوات المحبٍطة بعض الشيء لتعترضها قناة (الجزيرة) … تضع أمي الريموت أرضاً و تنظر إلى التلفزيون بينما كان التصوير من سوريا و بالتحديد كان الحديث عن الدواعش في حلب و أطفال حلب و معاناتها و كانت مناظر جثث الأطفال تحزن القلب. و بينما كانت أمي تقول ” الله يكون بعون أمهاتهم” و تشتم بشار من جهة أخرى و التنهيدة تخرج من قلبها, قال أبي : ” سقالله و همه داخلين علينا و يريحونا من هالحياة” … ( هنا شعرت بوجعٍ في قلب أبي) و ما بين حديث أمي و حديث أبي ضاعت “البدوية” و تزوجت “مزنة” بغير حبيبها … جلستنا العائلية تلك سببت لي طعنة في قلبي .. خرجت من تلك الغرفة لأجلس بغرفة ليست غرفتي وحدي و إنما غرفة أخواني كذلك, أولئك الأربعة الذين يحرسون الحدود بدون صوبة حطب و البقية الذين يجلسون حولها في الداخل. أشعلت سيجارتي التي كادت أن تحرق أصابعي و أنا شارد الذهن أفكر بأبي و أمي ( لم أفكّر وقتها بأخوتي الواقفين عند الحدود تحت المطر) فكّرت ملياً فيما إذا كان حب الوطن خطيئة أم إرث تربينا عليه ؟؟ ترى هل كان أبي يكره الوطن أم أن الوطن قتل مشاعر أبي
( بالرغم من أن أبي خدم الوطن ثمان و عشرون عاماً ) ؟؟ هل الجوع قد قتل الإنسانية ؟ هل تكره الأم ابنها ؟ أم أن الجوكر (دخان صوبة الحطب) الذي نشتمّه كل يوم قد أثّر في عقولنا ؟ وطني الحبيب كن حنوناً مع أبي لكي يحبّك مرة أخرى… كن لطيفاً قبل أن أكرهك أنا.